لم يظهر وجه أميركا بهذه الصورة الواعدة الجميلة منذ وقوف الرئيس الأسبق دوايت إيزنهاور ضد العدوان الثلاثي «البريطاني- الفرنسي- الإسرائيلي» على مصر عام 1956 كما ظهر في الأيام الأخيرة خلال جولة باراك أوباما الأوروبية، التي انتهت بزيارة لتركيا بالإمكان وصفها بأنها تاريخية، وأنها وضعت أساس علاقات جديدة بين الإسلام وفقاً للصيغة الـ«أردوغانية» والولايات المتحدة في عهد هذه الإدارة العاقلة والعقلانية.

Ad

في خطابه أمام البرلمان التركي أكد أوباما ضرورة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بقوله: «ندعم بحزم ترشيح تركيا لعضوية هذا الاتحاد، لأنها تعزز قوة هذه الكتلة... خصوصاً أن قروناً من التاريخ والثقافة والتجارة المشتركة تجمع بين تركيا وأوروبا...». والملاحظ أن هذا الموقف الواضح والحازم والحاسم إزاء هذه المسألة الحساسة جداً قد جاء نقيضاً لموقف الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي كان قد جدَّد قبل أيام قليلة رفضه غير المفهوم وغير المبرر لهذه الخطوة التي كان يجب ان يُقدِم عليها الأوروبيون منذ فترة سابقة بعيدة.

إنه لا يمكن فهم هذا الموقف الذي يقفه ساركوزي ضد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي إلّا بأنه يستند الى خلفية عنصرية، وإلى كره شديد للإسلام، حتى هذا الإسلام الحقيقي المعتدل والمتوازن في عهد حزب العدالة وعبدالله غول ورجب طيب أردوغان، وإلى العقدة التاريخية تجاه دولة الخلافة العثمانية، التي حمَلها والد هذا الرئيس الفرنسي معه عندما جاء الى فرنسا مهاجراً من المجر في وقت مبكر من القرن الماضي.

وهنا اتضح أن هناك فرقاً شاسعاً بين هذا الرئيس الأميركي الشاب المتدفق حيوية الذي بدا، خلال جولته الأوروبية الأخيرة التي قادته إلى القيام بزيارة تاريخية لتركيا، متحرراً من عقدة لونه الأسود، ومن عقدة أن أميركيته مكتسبة لا أصلية، وأيضاً من عقدة أن دماءً إسلامية تجري في عروقه، وبين هذا الرئيس الفرنسي الذي أثبت أنه يعاني عقدة أنه من أصول غير فرنسية، وأنه يكره الإسلام كرهاً شديداً، وأنه مازال مخلصاً للأفعال الشائنة التي كان قد ارتكبها عشية الانتخابات التي فاز بها وأصبح رئيساً للجمهورية الفرنسية ضد فقراء ضواحي باريس الذين معظمهم من المسلمين من أصولٍ مغاربية.

لم يتحدث باراك أوباما عن الإسلام بكل هذه الإيجابية، لأن الدماء التي تجري في عروقه بعضها إسلامي، بل لأنه رئيس الولايات المتحدة، ولأن الولايات المتحدة لها مصالح استراتيجية في العالم الإسلامي كله، ولأنه يجلس على أعلى الهرم في دولة تتصدر لقيادة كل دول الكرة الأرضية، ولأن هذا الشرق الأوسط، الذي يضم تركيا وإيران ويمتد من تطوان على المحيط الأطلسي حتى جبال هندوكوش في أفغانستان، يعد المجال الحيوي الأكثر أولوية بالنسبة لأميركا، والأكثر أهمية بالنسبة للأميركيين.

لم يضع ساركوزي في اعتباره عندما اتخذ هذا الموقف المتشدد الذي يعكس نفساً عنصرياً واضحاً ضد تركيا المسلمة ان الدين الثاني في فرنسا (العلمانية) هو الدين الإسلامي، وأن المجال الحيوي لدولته الآن وفي السابق هو مجال إسلامي، إن في شمالي إفريقيا وإن في غربها وإن في القرن الإفريقي، وأيضاً إن في بلاد الشام والعراق ومنطقة الخليج... كان على هذا الرئيس الفرنسي ألّا يجعل العقد التاريخية تتحكم في علاقات بلاده مع العالم الإسلامي، ومع الدولة التركية على وجه التحديد، لاسيما أن العرب والمسلمين قد تجاوزوا عقدة ما فعله الفرنسيون في الجزائر خلال استعمارهم لها، الذي هو أبشع استعمارٍ عرفه التاريخ، والذي استمر مئة واثنتين وثلاثين سنة.