الشعب الكويتي ليس بالشعب الذي «ما شاف خير» حتى تعج طوابير الانتظار على بيت الزكاة، أو يترقب عيدية مقدارها 500 دينار لتفرح قلوب المتقاعدين وأبنائهم، أو يتلهف إلى زيادة راتب لا تتعدى 50 دينارا شهرياً، ولكن هذه المؤشرات تعكس حالة عامة تدعو إلى القلق.

Ad

تبرعات وهبات الشيخ سالم العلي تقرع جرس إنذار حقيقي وتعكس واقعاً خطيراً يجب التوقف عنده ببصيرة سياسية نافذة ورؤية بعيدة المدى قبل أن تكبر كرة الثلج الاجتماعي بشكل قد لا يمكن معه السيطرة على حالة الغليان الشعبي بسبب الضيق المعيشي.

فمبادرات الشيخ سالم العلي، شفاه الله وعافاه، قد أثلجت صدور عشرات الآلاف من العوائل الكويتية في قضية القروض، وزرعت روح البهجة في أوساط فقراء المتقاعدين وأسرهم من خلال العيدية الرمضانية.

والحقيقة أن مثل هذه المبادرات من العم «بو علي» وردود الفعل الشعبية عليها تتناقض مع التقارير الدولية الأخيرة بأن الكويت قفزت إلى المرتبة الثالثة عالمياً من حيث دخل الفرد، وهذا المركز المالي الجديد للمواطن الكويتي يذكرنا بفترة الستينيات وبداية السبعينيات ولكن شتان ما بين ذلك الوقت والآن!

ولا نحتاج إلى الكثير من العناء لنثبت أن هذا الرقم العالي ليس فقط مؤشراً وهمياً، بل إنه غطاء إعلامي لاستمرار نهب أموال المواطن العادي والمغلوب على أمره، فدخل الفرد الجديد المعلن ليس سوى حسبة بسيطة يتم من خلالها قسمة الإيرادات المالية للدولة على عدد المواطنين، وهذه الإيرادات قفزت إلى مستويات خيالية بسبب ارتفاع أسعار النفط ليس إلا، بل وبمجرد أن طالب الشعب بجزء من هذه الفوائض من خلال نوابه في مجلس الأمة تم حل البرلمان ولا يزال سيف التهديد بالحل مصلتاً على رقبة المجلس في حالة الاستمرار بالمطالبات الشعبية ذات المزايا المالية.

والطامة الكبرى أن هذه الفوائض من جهة أخرى تشهد هدراً منتظماً وسوء استخدام مستمر لسنوات متتالية بسبب تردي الأوضاع وتفشي الفساد بدليل التقرير السنوي الأخير لمنظمة الشفافية العالمية التي أكدت تراجع دولة الكويت إلى المركز 65 في سجل الفساد المالي والإداري أي بتقهقر إلى أكثر من عشرين مركزاً خلال سنة وأكثر من ثلاثين مركزاً خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وأصبحت شماعة التنمية عائقاً أمام تحسين ظروف المواطن المعيشية والذي أصبح محشوراً بين الحسد الإعلامي عالمياً والطعن في الداخل، ومن هنا فإنه من الأخطاء القاتلة عدم جدية الحكومة في إعادة رسم الهيكل الاجتماعي الاقتصادي للمجتمع الكويتي الذي يشهد سلسلة من الاختلالات الصعبة منذ بدايات عقد التسعينيات، وساهمت القفزات الاقتصادية الكبيرة من خلال المشاريع والعقود والمناقصات وتوسع الشركات والمد العمراني إلى تعميق الفجوة الاقتصادية فتحول الثراء إلى ثراء فاحش وبدأت الطبقة المتوسطة في الاضمحلال والزوال، وهذا بحد ذاته يمثل تهديداً وطنياً خطيراً للاستقرار العام في المجتمع.

فالشعب الكويتي ليس بالشعب الذي «ما شاف خير» حتى تعج طوابير الانتظار على بيت الزكاة، أو يترقب عيدية مقدارها 500 دينار لتفرح قلوب المتقاعدين وأبنائهم، أو يتلهف إلى زيادة راتب لا تتعدى 50 دينارا شهرياً، ولكن هذه المؤشرات تعكس حالة عامة تدعو إلى القلق.

ومع الأسف فإن الحكومات المتعاقبة لا تحمل في رؤاها أي منظور لمعالجة مثل هذا الاختلال الكبير لأن المنصب الوزاري تحول إلى برج عاجي يهتم فقط بتعزيز الفوائد الشخصية لأصحاب المراكز العليا، فما معنى زيادة العلاوة التشجيعية للوزير خلال خمس سنوات من 30 إلى 100 ألف دينار، وما معنى الموضة الجديدة بأن كل شركة جديدة أو مناقصة أو مشروع تجاري يجب أن تكون فيها حصص بعض الوزراء أو الوكلاء أو النواب مضمونة، وأنى لمثل هذه العقلية أن تفكر في مستقبل الأسر المتعففة التي أزهق روحها تراكم الديون وغلاء الأسعار وتردي كل أنواع الخدمات العامة ومن دون استثناء؟!