فايز قزي... قراءة سياسية لحزب الله - من حسن نصر الله إلى ميشال عون حزب الله لا يمثل الشيعة... وهو حركة جهاد تعتمد العقيدة الشيعية لتحقق غايات سياسية الحلقة الأولى

نشر في 25-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 25-11-2008 | 00:00
هذه القراءة السياسية لـ«حزب الله»، كانت قراءة دقيقة وصعبة، نظراً إلى التصاق الحزب بالشريعة الإسلامية، مما قد يدفع المشككين إلى اعتبار نقد الحزب بمنزلة نقد للشريعة. ولذا يهمني جدا التوضيح بأنني لست بصدد انتقاد الشريعة، بل سوف أتعمَّد خلال القراءة الابتعاد عن النقد الواجب أحياناً حتى لا أترك أي ظلالٍ للشك، كما سألجأ إلى الاستعانة بمطالعات كثيرة لمراجع بعض الفقهاء والكتَّاب والشخصيات الشيعية، وغيرهم من الكتّاب والصحافيين.

أخيراً أعترف بأن بعض القراء قد يتذمرون من تناقض بين ما قد يرد في هذا الكتاب من نصوص، يجدها مختلفة عن خطابات أو مقابلات إعلامية أو تصاريح لقادة «حزب الله»، فأنا لا أرغب أن أدخل في متاهات الخطابات والتصاريح والمقابلات فهي كثيرة ومتنوعة وأحياناً متناقضة، لذلك فضّلت اعتماد كتاب نائب الأمين العام ونص الرسالة المفتوحة لسنة 1985. وأرجو أن أكون في ذلك أقرب إلى الدقة والثبات والتعاطي مع نواة الحزب الأساسية (العسكرية والأمنية والسياسية) وليس مع دوائره الأوسع التي تتولى تغطية علاقة الحزب بالحياة العامة وتعتمد العلانية في المناسبات والظروف الخاصة السياسية والدعاوية والنقابية والمطلبية.

كما عليَّ أن أبادر أيضاً الى طمأنة الذين يخافون حساسية نقد المسيحيين لحزب الله الشيعي، بأنني متمسك أولاً بقناعة وفهم مطلقين بأن «حزب الله» لا يمثل الشيعة، وهو عندي حركة جهاد تعتمد العقيدة الشيعية لتحقق غايات سياسية، وانني ثانياً إلى جانب قدري المسيحي أستند إلى خياراتي اللبنانية العلمانية والعربية المتحررة والإنسانية الجامعة المسالمة. وأكرر ثالثاً انني قََصَدْتُ من هذه القراءة التواصل والتكامل والتفاهم، وليس الانقطاع والتنافر والتخاصم. ورَغِبْتُ خاصة في مشاركة القارئ معي، فأسْهَبتُ بالقراءة واخْتَصَرْتُ في النقد.

1- الرؤية والأهداف

واكب الشيخ نعيم قاسم «حزب الله» منذ تأسيسه، فهو يُعتبر أهم الخبراء بشؤون هذا الحزب العامة والخاصة بعد أمينه العام السيد حسن نصرالله، ومن هنا تأتي أهمية قراءتي لكتابه، الذي اشتمل على ثلاثة عناوين رئيسية نجدها في أسفل صورة الغلاف، وهي: المنهج والتجربة والمستقبل، وسوف أتقيد بهذا النهج في قراءة الكتاب ونقده، علَّني بهذه القراءة الموسَّعة، أفِيدُ من لم يطّلعْ على الكتاب، أو من ليس لديه رغبة أو مقدرة على متابعة تفاصيله، أما في النقد فسأَخْتَصِرُ وأتَّبع غالباً المنهج السياسي أكثر من المنهج الفكري الذي لا أدعي فيه طول باع العلماء والفقهاء والمجتهدين، وأخص بالذكر منهم أبناء الطائفة الشيعية لبنانيين وعراقيين وإيرانيين. وقد قرأت لهم ما يكفي لدعم واسناد انتقادي السياسي الى حد كبير من المعرفة العلمية.

• المنهج هو الإسلام، ولتبيان الرؤية والاهداف، فقد انطلق «حزب الله» من إيمانه بالإسلام، «إن الدين عند الله الإسلام... ولا انفكاك بين مساره العملي ومنطلقاته العقيدية»، وهنا يستفيد المؤلف من بركات «النبوة والولاية وما أنجزه الامام الخميني».

• «أما التجربة فهي المحطات البارزة في تاريخ «حزب الله» وكيفية التعاطي معها والملابسات التي أحاطت بها، من ضمن منظومة التوجهات التي كانت تحدد معالم الطريق نحو تحقيق الأهداف، كما عاش الحزب التجربة مع معنويات زرعها المقاومون الرواد مثل (السيد عباس والشيخ راغب خاصة).

• وأما المستقبل فهو استشراف للغد والتصورات المحتملة استناداً الى سنة إلهية: «وتلك الأيام نداولها بين الناس». وكان في هذه المرحلة متأملاً بالله ونصر المؤمنين.

«... إنه كتاب لمن يريد أن يتعرّف أو يزيد من معرفته»، «إنه كتاب لمن يريد أن يتذكر أو يوثق ذكرياته»، «إنه كتاب لمن يريد أن يبحث أو يستفيد لأبحاثه وموضوعاته».

وكما عنوّن الشيخ قاسم كتابه بثلاثة، فإنني سوف أحاول أن أبينها في مستحيلات لن تقف عند ثلاثة!

تأسيس الحزب: حكاية النشأة يعيدها الشيخ نعيم قاسم الى سنة 1982 وتنطلق من نجدة النجف لمواجهة الأحزاب والتنظيمات اليسارية والقومية في جنوب لبنان.

إننا نقرأ في ظروف تأسيس «حزب الله»، كيف أن فترة الستينيات وما قبلها كانت في لبنان مشغولة باتجاهات ثقافية سياسية غير إسلامية لدى الشيعة، خصوصا في الجنوب، حيث تكاثرت الأحزاب والتنظيمات اليسارية والقومية، وقد شح العلماء على مدى ثلاثين سنة. فطلب «الأهل» نجدة النجف، وكانت عودة بعض العلماء من النجف مناسبة لإطـلاق الدروس الدينية ثم لإقامة أنـشطة ثقافية، وهـكذا تكـونت « تشكيلات صغيرة تقوم بدور ثقافي وخدماتي».

فبرز الإمام موسى الصدر في صور من خلال «جمعية البر والإحسان» ثم توسع على المستوى الثقافي ليشمل لبنان، ولم يكتفِ الإمام الصدر بإنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بل أسس «حركة المحرومين» ذات الأهداف السياسية والاجتماعية، ومعه تمَّ إنشاء «أفواج المقاومة اللبنانية- أمل» سنة 1974 لمقاومة إسرائيل «لكن لم يستمر الإمام في عمله ونشاطه حيث اختُطِفَ في ليبيا في 31 أغسطس (آب) 1978» (ص 20).

«كما برز الشيخ محمد مهـدي شمس الدين في الدكوانة، قبل أن ينتقل الى الشياح ليترأس الجمعية الخيرية الثقافية، وكانت مشاركته في العمل العام ضعيفة في بداية الأمر... ولقد كان، رحمه الله، يعبّر مراراً عن حنينه الى بذل الجهد الأكبر للعمل الفكري».

وكان ثالث البارزين آية الله السيد محمد حسين فضل الله، الذي انطلق من النبعة حيث أسس «جمعية أسرة التآخي» قبل أن ينتقل إلى بئر العبد، وقد غلب على حركته النشاط التبليغي، ولم يبرز نشاطه السياسي إلاَّ بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ورغم ارتباط اسمه بنشوء «حزب الله» في السنوات الأولى خصوصا قبل الرسالة المفتوحة 1985، فإنه رفض أن يشغل أي موقع فيه، ولكن أغلب القوى السياسية اللبنانية تعاملت مع سماحته بصفته المرشد الروحي لـ«حزب الله». ولم يتغير هذا الانطباع إلا بعد بروز قيادات للحزب بشكل واضح من جهة وممارسة سماحة السيد فضل الله بعض الأنشطة المستقلة». عندئذٍ توزع الإسلاميون بين حركة أمل واللجان الإسلامية وحزب الدعوة والمستقلين. وكانت المرجعية للجميع في النجف.

2- نجدة الثورة الإسلامية في إيران

وفي سنة 1979 ظهرت في لبنان «اللجان المساندة للثورة الإسلامية» في إيران التي راحت تتواصل مع إيران وعلى رأسها «الولي الفقيه» الإمام الخميني»- (ص23). وخلال هذا التواصل حصل «الاجتياح الإسرائيلي فقوي الاهتمام بضرورة انبثاق تشكيل إسلامي موحد يتمحور حول: منهج الإسلام ومقاومة الاحتلال، ذي قيادة شرعية للولي الفقيه كخليفة للنبي والأئمة».

3- تأسيس «حزب الله» ودخول الحرس الثوري الإيراني عام 1982

«وتمت صياغة ورقة نهائية حملها تسعة أشخاص (3 عن «تجمع علماء البقاع»+ 3 عن اللجان الإسلامية+ 3 عن «حركة أمل الإسلامية»)، ورفعوها إلى الإمام الخميني، فوافق عليها، فاكتسبت «شرعية تبني الولي الفقيه لها، ومنها تأسس «حزب الله»، ثم وافقت سورية على مرور الحرس الثوري إلى لبنان وبدأت التدريبات في منطقة البقاع سنة 1983».

4- أهداف وركائز ثلاث لـ«حزب الله»

«وقد تشكلت الركيزة الرئيسية الاولى لـ«حزب الله» على الإيمان بالإسلام عقيدة وشريعة ولا يمكن التجزئة بين ما هو لله وما هو للحاكم أو بين ما هو لله وما هو للإنسان، فكل شيء لله».

الركيزة الأولى: مشروع الدولة الإسلامية

«ولا يمكن لأي ملتزم إسلامي يحمل العقيدة الإسلامية ويؤمن بشريعتها، إلاَّ وأن يكون مشروعُ إقامة الدولة الإسلامية أحَدَ التعابير الطبيعية لالتزامه الإسلامي... ولكننا نفصل بين الرؤية الفكرية والتطبيق العملي، فنقول في الرؤية الفكرية: إننا ندعو إلى إقامة الدولة الإسلامية... أما على المستوى العملي، فهذا الأمر يتطلب تقبل الشعب الذي من حقه أن يختار ما يريد تحكيمه في حياته».

«... وقد صدر أول تعبير رسمي بهذا المعنى في الرسالة المفتوحة، التي وجهها «حزب الله» إلى المستضعفين في لبنان سنة 1985 حيث قال: لكننا نؤكد أننا مقتنعون بالإسلام عقيدة ونظاماً، وفكراً وحكماً... وندعو الجميع إلى تبنِّيه والالتزام بتعاليمه على المستوى الفردي والسياسي والاجتماعي، وإذا ما أتيح لشعبنا أن يختار بحرية شَكْلَ نظام الحكم في لبنان، فإنه لن يرجِّح على الإسلام بديلاً»- (ص 40/41).

فالحزب لا يخفي أن الإشارة إلى موضوعة الاختيار الحر بأنها مجرد نظرية جاءت في ترتيبها مباشرة بعد مبدأ تقرير ترجيح الإسلام بديلاً عن نظام الحكم، وهذا لا يلغي ولا يخفف من الإصرار الأصولي والمذهبي للحزب الإلهي الذي يستحيل عملياً ارتياده من قبل غير المسلمين، ولا حتى غير الشيعة، ولا حتى الشيعة غير الإماميين، وخصوصا غير التابعين لولاية الفقيه. وهذه حواجز ظلامية تفرض معنى خاصاً لنظام الحكم لا تجعله مواكباً للحداثة وتؤدي به إلى إقامة دولة إسلامية خاصة لا تستوعب إلاَّ رعايا الحزب الإلهي، فيصح ويتأكد ويتظهَّر قولهم عندئذ أنها «أمة الحزب»، كما تحول الحزب إلى حركة تعتمد على اختيار عناصرها من فئة واحدة ومحددة فقط من اللبنانيين.

وهنا تبدأ جدلية الخيار الحر والفرض بالقوة، إذ إن حتمية الخيار الحر وفقاً لمفهوم الحزب الإلهي في المجتمع اللبناني سوف تفرض نظاماً إسلامياً خاصاً على غير المسلمين (وحتماً في ما بعد على غير الشيعة)، وليس من حق أحد أن يلغي أي فكرة منه، أو أن ينشئ نموذجاً جديداً مخالفاً للمضمون والتفسير الصحيح، أو أن يعترض على هذه القناعة المرتبطة بالإيمان بأحقية النظام الإلهي على غيره.

وعندما يَتَنَبّه الشيخ نعيم قاسم إلى حماس الموعودين بالنظام الإلهي من جهة، وتخوف الراغب في نظام مدني علماني أو إيماني مختلف عن النظام الإلهي لـ«حزب الله» من جهة ثانية، يحاول تدوير هذه الصعوبة فَيُطَمْئِن الموعودين والراغبين مستطرداً: «لكن للأداء العملي مقوّماته وظروفه الموضوعية» (ص42 من نفس المرجع). وهنا نقع في ظلال التقية التي يؤمن بها ويتبعها الحزب في «حالات الضرورة» والظروف الموضوعية والخصوصية.

الركيزة الثانية: الجهاد في سبيل الله

يعتبر «حزب الله» أن الجهاد سلوك أساسي في حياة المسلم سواء كان جهاداً للنفس أو كان جهاداً للعدو، ويقسم الحزب الجهاد إلى قسمين:

- ابتدائي حيث يواجه المسلمون الآخرين وهذا مرتبط بالنبي والإمام المعصوم وليس مطروحاً في زمن الغيبة.

- والثاني هو الجهاد الدفاعي ضد الاعتداء والاحتلال.

أما الاستقلال وقرار الحرب وهو الركيزة الثانية بعد الإسلام، فله فصل مختلف هو الجهاد في سبيل الله (ص53) «لكن قرار الجهاد مرتبط بالولي الفقيه... وقد يختلف رأي بعض الفقهاء، عن رأي الولي الفقيه، لكن رأيه ملزم لهم فهو المتصدي والمبايع من قبل الناس، ويترتب على مثل هذه المنعطفات نتائج خطيرة، فلا يمكن المراهنة على إجماع الآراء، مع احتمال الخلاف دائماً، وبما أنها صلاحيته، فالقرار يعود اليه وهو ملزم للمسلمين، كل المسلمين وليس فقط الشيعة»!

ورغم أن الجهاد باب من أبواب الجنة، كما جاء في خطبة الجهاد للإمام علي، فإن الإيمان يقوم على أربع دعائم: الصبر واليقين والعدل والجهاد (نهج البلاغة- ص 21-107).

وهو أفضل الأمور بعد الفرائض في الإسلام على قول الإمام الصادق.

وعن أولوية الجهاد ودور الفقيه لا يخفي الشيخ نعيم قاسم (ص56) أن «الأولوية لحب الله ورسوله والجهاد في سبيله، في مقابل حب الأرحام والعلاقات والرغبات المادية، وهذه الأولوية تبرز عند التعارض، فإذا منع المال من الجهاد خوفاً من خسارته، ومنع الولد من التضحية رغبة بالأنس به، فهو انحراف عن طاعة الله».

لكن «حزب الله» يتميز عن الحركات الإسلامية باعتماده نظام تعبئة الشباب على قدوة الحسين، ويربط حركته بضوابط دقيقة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالدماء ويلتزم سبيل الله مهما كلفت التضحيات إذا صدر الأمر عن القيادة الشرعية المتمثلة بالولي الفقيه (ص 59). وهذا ما لا يفهمه الآخرون وخصوصا الغربيين فيذهبون إلى الاعتقاد بأن الشباب يتناولون العقاقير أو يخضعون لظروف حياتية خاصة أو سلوك تدريبات نفسية معقدة أو وجود حوافز مادية تعوض عن الحرمان كي يقبلوا على الشهادة. هازئاً بالغرب الذي اعتاد بحسب منطلقاته الفكرية، على تقديس الحياة المادية والتمسك بها مهما كلفت، فلم يعد قادراً على استيعاب معنى وجود الاستشهاديين. -(ص 60)

وإذا كان الاستشهاد يبغي تحقيق النصر إلا أنه هدف بذاته أيضاً، وليس من حادثة في التاريخ للتدليل على ذلك أهم من واقعة كربلاء، حيث استشهد الإمام الحسين وسبعون من أهل بيته وأصحابه وقوله: «قد شاء الله عزَّ وجلّ أن يراني مقتولاً مذبوحاً ظلماً وعدواناً» (ص 61). وهذا يؤكد أهمية المواجهة من دون تحقيق النصر العسكري المباشر.

إنني هنا اكتفي بالقول إن الشيخ نعيم ذهب في تفسير آيات الدعوة إلى الجهاد بعيداً، ونحى فيها منحى غير إنساني، ولكن لن أناقش في الإسناد الذي لجأ إليه، حتى لا يلتبس هذا النقاش هنا مع نقد الشريعة، الذي قَرَّرْتُ أن أبتعد عنه فهو من اختصاص العلماء والفقهاء والمجتهدين، وأنا أنحاز إلى شرح الإصلاحيين منهم لهذه الدعوة فقط. أما فكرة وفلسفة التضحية بالولد لطاعة الله فهي نظرة فلسفية قد تشترك فيها بعض الرسالات السماوية، وانني إيفاء لتعهدي بعدم مناقشة الديانات السماوية، أكتفي بحقي في القول إن المسيحية من وجهة نظري تنضم إلى الفلسفة الإنسانية الحديثة التي تؤكد عدم جواز التضحية بالولد (الإنسان) لأي سبب كان حتى ولو كان لطاعة الله، وإلاَّ فمعصية الله ربما تصبح أبغض الحلال، وكذلك الذهاب إلى الحرب لأي سبب!

«يتبع»

back to top