الانتخابات الأكثر غرابة في تاريخ الكويت

نشر في 12-05-2008 | 00:00
آخر تحديث 12-05-2008 | 00:00
ارتباك سياسي أفضى إلى ارتباك انتخابي ثم فوضى عارمة
 أ.د. غانم النجار

انتخابات 2008... هي الانتخابات الأولى في كثير من الأمور؛ من تعدد الصحف، والفضائيات، وتقنين الإعلانات، وعدد الدوائر، وتحرك الحكومة تجاه الانتخابات الفرعية وشراء الأصوات... وأمور كثيرة أخرى، لكن السؤال هو: لماذا الارتباك الذي أصبح سمة أشياء كثيرة فيها؟

الانتخابات هذه المرة هي أكثر الانتخابات غرابة في تاريخ الانتخابات الكويتية، وهي ربما من أقصرها مدة، وأكثرها ارهاقا وإثارة على الرغم مما يبدو على السطح من هدوء.

ولربما كان آخر ملامح غرابتها هو شطب عدة مرشحين من القيد الانتخابي في اليوم الأخير المقرر لانسحاب المرشحين، وهي حادثة تحدث للمرة الأولى في الانتخابات الكويتية، وسننتظر لنرى إن كان ذلك الشطب مستندا على أسس قانونية أم لا، فلو افترضنا قيام المشطوبين برفع دعاوى ضد الحكومة، وصدر الحكم لصالح المتضررين بعد اجراء الانتخابات، فإن ذلك قد يفتح الباب على احتمالات اعادة الانتخابات، فإن حدث ذلك فإننا حينها سنتحدث عن انتخابات غريبة قادمة ربما خلال شهرين، والله أعلم.

والحقيقة هي ان هذه الانتخابات هي الأولى في كثير من الامور، فهي الاولى التي تعقد بوجود 14 صحيفة يومية، وهي الأولى التي تتم بوجود حوالي 13 فضائية وعشرات المواقع الانترنتية، وهي الأولى التي تتم من دون اعلانات في الشوارع، وهي الأولى التي تتم بتحركات حكومية غير مسبوقة تجاه الانتخابات الفرعية، كما انها الأولى التي يتم فيها ضبط حالات شراء أصوات، وهي الأولى التي تصدر فيها الحكومة قانون ضرورة للتجمعات ثم تسحبه قبل أن يجف حبره، وهي الأولى التي يتم فيها اعادة قيد ناخب في سجل الناخبين بحكم المحكمة، وهي الأولى التي يقوم فيها المرشحون بعقد ندواتهم في المدارس والقاعات العامة، وهي الأولى التي يحدد فيها عدد المقار الانتخابية للمرشحين، وهي الأولى التي سيمنع فيها الناخبون ومؤيدو المرشحين حول مراكز الاقتراع، وهي الأولى التي يزيد فيها وكلاء المرشحين عن عددهم المعتاد، وأخيرا هي الانتخابات الأولى التي تجرى على أساس الخمس دوائر، ومع انه لم يتبق على يوم الاقتراع إلا خمسة أيام، فالشواهد قد تأتي بما هو أول وجديد.

نتيجة أم سبب؟

الطريق الوعر للانتخابات

لا يبدو أن هذه الحال المرتبكة والمربكة جاءت فقط بسبب الدوائر الخمس، ولكن الحال المبعثرة جاءت نتيجة لتداعيات ومخاض ظل يطبخ على نار هادئة، ولربما حارقة حينا لعدة سنوات مضت تم خلالها إحداث تغيرات هيكلية في البنية السياسية والبدء بتحولات في مفاصل ومكونات الصراع السياسي في مؤسسة الحكم، منعكسا بصورة قسرية على انسيابية العملية السياسية برمتها، وحيث إنه كان ملحوظا أن تلك الاختلالات كانت في مجملها تعيد انتاج اصطفافات جديدة في بنية الحكم وتوابعها، إلا أنه كان يتم التغاضي عنها وتبسيطها والتعامل معها كأزمات آنية مؤقتة، لا كحالة مزمنة تحتاج إلى أكثر من مجرد حلول ترقيعية ومسكنات ومهدئات. وقد انعكس ذلك الأمر على طبيعة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما اتضح ذلك كمؤشرات في وتيرة الاستجوابات ونمط التعامل معها، ومع ان التباينات والاصطدامات بين السلطتين أو فلنقل البعض من السلطتين، ظلت دوما تنبئ بانكسار كامل وتهشيم نهائي لتلك العلاقة، لكن الموقف النهائي لسمو الأمير كان دوما يقف بالمرصاد في وجه دعاوى العبث بالدستور، وقد بلغت تلك الأحاديث مداها خلال الفترة التي جرى فيها استجواب وزير الصحة الاسبق الشيخ أحمد العبدالله الأحمد، وقد كان لتلك الأحاديث أن تبلغ مرحلة جدية تم فيها الحديث عن مواصفات ذلك المشروع القائم على تجميد العمل بالدستور لفترة من الزمن وتعديله، ثم العودة إلى الانتخابات مرة أخرى بموجب دستور آخر غير الذي نعرفه، ومرة أخرى تلاشت تلك الدعوات وتبخرت كسرا.

واستمرت تلك الحالة من التجاذبات وعدم الوضوح وعدم الاستقرار حتى دخول المجتمع برمته في أزمة التأبين، التي إن كانت قد أوضحت شيئا، فقد أوضحت عمق الأزمة المجتمعية التي نعيشها، وجاءت بعد ذلك أزمات أقل وطأ وإن لم تكن أقل دلالة كأزمة التعديات على أملاك الدولة أو زيادات الرواتب، كانت تلك الأجواء التي تم فيها حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات مبكرة. ولربما كان الحل ذاته مؤشرا لحالة القلق والاستقطاب والتجاذبات، ويبدو أن الجميع قد أخذ على حين غرة حتى الحكومة ذاتها، وإلا كيف نقرأ ونفهم عدم صدور تعديلات على قانون الانتخاب لكي تتوافق مع متطلبات الدوائر الخمس لمدة سنتين، ولا تتم التعديلات إلا بعد حل المجلس، بل إنه كان واضحا أن تلك التعديلات قد تم إصدارها على عجل، ما دفع المرشحين أحمد الديين ومحمد عبدالقادر الجاسم إلى إثارة ملاحظات جوهرية بخصوصها.

فإن كانت الحكومة، وهي من يفترض فيها الاستعداد لمحطة غامضة قادمة هذا هو حالها من عدم الجاهزية، فكيف هي الحال إذن مع المرشحين، بالتأكيد كانت أوضاعهم أشد وطأة.

back to top