لو كانت مساحة العنوان تحتمل لأسميت المقال: كيف تصبح وزيراً ناجحاً يذكرك التاريخ والشعب الكويتي ويضربون بك الأمثال لأجيال قادمة من دون معلم، وأنا أعني هذه العبارة تماماً!

Ad

بداية، وقبل الدخول في الحكاية، فيجب أن أنبه إلى أن معنى النجاح في النهاية يختلف من شخص إلى آخر، وأن ما يراه بعضهم نجاحاً خارقاً قد يراه آخرون لا شيء يذكر، وما قد يكون نجاحاً في ظروف معينة وأماكن معينة، قد لا يكون ذا قيمة في ظروف وأماكن أخرى، لذلك فيجب التنبيه إلى أن فحوى هذا المقال تتوجه إلى الوزير الكويتي، وكذلك مشابهيه من وزراء الدول والظروف القريبة المشابهة.

عندما يتفكر أي شخص منا في أداء الوزراء، سينصرف ذهنه غالباً إلى تعامله مع الملفات الشائكة المعروفة عن كل وزارة، مثلاً ملف تردي الخدمات الصحية وملف العلاج في الخارج لوزير الصحة، وملف تردي مخرجات التعليم العام لوزارة التربية والتعليم، وملف انقطاع الكهرباء لوزير الطاقة، وهلم جرّا.

لكن حقيقة الأمر التي يجهلها كثير منا، أن هذه الملفات ترتبط في كثير من تفاصيلها بأطراف أخرى غير الوزير نفسه، وأن فيها كثيراً من الأوراق التي يمسك بها صناع قرار آخرون، ونافذون ومتنفذون، وغيرهم، مما يجعل قدرة الوزير على تحقيق الإنجازات على مستواها، قدرة محدودة بشكل أو بآخر، لكن الأمر الذي يمتلك الوزير مطلق الحق في أن يقوم بتغييره وتعديله، هذا إن كان يملك الإمكانات على مستواه الشخصي قبل كل شيء، هو النظم الإدارية والإجراءات الداخلية والدورة الورقية في وزارته، وبالأخص ذلك الجزء الذي لا يرتبط بالوزارات والجهات الأخرى، مما قد يقيد قرار تغييرها وتطويرها بالآخرين.

إن كثيراً من تذمرنا وعدم رضانا عن الأداء الحكومي كمراجعين نتعامل مع وزارات الدولة، يرتكز وقبل كل شيء على البيروقراطية المقيتة المتمثلة في مئات الأوراق والأختام والتوقيعات التي نضطر إلى أن نخوض في غمارها، وكذلك في مشكلة ضياع الملفات الأزلية، وفي المشكلة الشهيرة المسماه «الكمبيوتر خربان، تعالى بكرة».

أنا على استعداد لأن أرمي قفاز التحدي، كما يقول الغربيون، لو استطاع أي وزير أن يعالج هذه المشاكل الداخلية في وزارته، ومهما بقيت عالقة بعدها تلك الملفات الشهيرة عن وزارته، فإن الناس ستذكره على أنه وزير استطاع أن يحقق شيئاً.

خذوا عندكم هذا المثال على مقصدي. ما اللافت للانتباه والعلامة الفارقة في مؤسسة التأمينات الاجتماعية؟! الإجابة وبكل بساطة، التنظيم الواضح لاستقبال المراجعين، وقصر الدورة الورقية، وسرعة إنجاز المعاملات. هذه الأمور، وبالرغم من بساطتها ولكونها من المفترض في كل جهة حكومية، جعلت من هذه المؤسسة رمزاً «لكيف يكون النجاح». حسناً، لننظر في المقابل، ما اللافت للانتباه والعلامة الفارقة في بلدية الكويت؟! ضياع الملفات وتعطل مصالح المراجعين وطول الدورة الورقية!

صحيح، أن النجاحات في المثال أعلاه، تدل على وجود عقليات ناجحة خلفها، وتعطي مؤشراً على وجود نظام ناجح يديرها قادر على النجاح في ما هو أكبر، وأن الاخفاقات في المثال أعلاه، تدل على إخفاق العقليات التي تقف خلفها وترهل وتعثر النظام الذي يقف خلفها، ولكن أعتقد أن الرسالة واضحة، في أن لكل نجاح بداية يمكن أن تبدأ بأصغر الأشياء.

صدقوني يا سادتي، صدقوني يا معالي وزرائنا لو انصرف كل وزير منكم إلى العمل وبجد نحو ترتيب بيت وزارته الداخلي، وقام بثورة تصحيحية على الأنظمة البيروقراطية البالية فيها، لأثمرت له نجاحاً ورضا شعبيا كاسحاً، ولصار ذكره على كل لسان، بالخير طبعاً!

وسلامتكم، وعلى الخير نلقاكم بعد إجازة قصيرة إن شاء الله!