وجه د. أحمد كمال أبو المجد، خطاباً مفتوحاً «الدستور المصرية 30- 9» إلى الشيخ يوسف القرضاوي حول الغزو الشيعي، يقول فيه (لقد آلمني وعّز علي كثيراً، كما آلم الكثيرين وعزّ عليهم ما كان من تداعيات ما أدليتم به من حديث يتعلق بتجاوز بعض الإخوة الشيعة، لما سميتموه «الخطوط الحمراء») ويبدي «أبو المجد» ألمه لما تعرض له الشيخ من تجريح لا يغتفر ولا يعذر أصحابه ولا يليق بمكانة العلم والعلماء، ويخشى من تداعيات هذا الخلاف على المسلمين لأن هناك من يوظفه توظفياً (ماكراً وخبيثاً «في تفكيك» كيان الأمة وتبديد طاقاتها وإيقاع علمائها بعضهم ببعض، وصرفها عن مواجهة التحديات).
لكن أبو المجد يختلف مع الشيخ في أمرين:1- إثارة القضية على الملأ، فالأولى أن يتم في اجتماع للعلماء.2- التوقيت غير مناسب، بسبب ما يتعرض له الإسلام والمسلمون من حملة شرسة.ويختم أبو المجد رسالته، بدعوة ورجاء: الدعوة لكل المسلمين «أهل القبلة الواحدة والدين الواحد» بأنهم غير معذورين عن مواصلة «الانقسام التاريخي الذي بدأ بمعركة كربلاء» وعليهم «تذويب الرواسب التاريخية» والتوجه إلى معالجة أمور الحاضر والمستقبل في إطار من مصالح المسلمين، أما الرجاء، فموجه للشيخ القرضاوي بأن يسارع إلى «غلق هذا الملف» بنفس راضية تغمرها السماحة والود.لقد حرصت على تلخيص ما جاء في خطاب «أبو المجد» لفائدة القراء الذين اطلعوا على رد «القرضاوي» ولم يطلعوا على خطاب «أبو المجد».يأتي هذا الخطاب، ضمن سلسلة من الردود الشيعية والسنية -العنيفة والهادئة- خصوصا من مفكري مصر، أصدقاء الشيخ- كالبشري والعوا وهويدي- وغيرهم، الذين نفوا وجود نشاط شيعي تبشيري وقللوا من شأنه، واعتبروا وجود مصريين شيعة ينشطون في وسائل الإعلام المصرية، أمراً طبيعياً، لا يستدعي خطراً أو تهويلاً. وكان الشيخ القرضاوي وبحسب تقرير صحيفة «المصري اليوم» طبقاً لـ«إيلاف 22- 9» قد حذر من اختراق الشيعة لمصر والمجتمع السني، موضحاً أن «المجتمع السني ليست لديه حصانة ثقافية ضد الغزو الشيعي» قائلاً إن الشيعة في مصر اليوم موجودون في الصحف وعلى الشاشات يجهرون بأفكارهم، وأن التقارب ليس معناه أن يتحول السني إلى شيعي، لكن الشيعة يعملون بالتقية فعلينا الحذر منهم.لكن! ما رد الشيخ القرضاوي على رسالة «أبو المجد»؟كتب «الشيخ» رسالة، بدأها بمقدمة -عتابية رقيقة- قال فيها «لقد قرأت رسالتك المنشورة، ودققت النظر فيها، وعجبت أن تصدر من مثلك، وأنت السياسي المجرب، والقانوني البارع، والإسلامي المعروف، وسليل العائلات الشرعية العريقة أبوة وخؤولة» الرسالة طويلة، نشرتها «الوطن» القطرية والسعودية 9- 10 وأبرز ما فيها:1- وضح الشيخ جهوده في «التقريب» وسعيه لإنشاء الاتحاد العالمي لتمثيل كل المذاهب الإسلامية.2- قال إن دعوته للتقريب مقيدة بشروط، أهمها: عدم القول بنقصان القرآن، وعدم المساس بالصحابة، وعدم نشر المذهب الاعتقادي في البلاد الخالصة للمذهب الآخر.3- رد على «أبو المجد» في رفضه إثارة القضية على الملأ، بأنه جرب معالجة القضية في المؤتمرات لأكثر من «10» سنوات ثم في زيارته لإيران «1988» مع علمائها ومع «خاتمي» ولكن من دون جدوى، فكان لابد من دق ناقوس الخطر «وأن أنذر قومي، وأصرخ في أمتي، محذراً من الحريق المدمر» فهو النذير لقومه «والنذير لا يجلس في غرفة مغلقة ويصيح».4- رد على «أبو المجد» في قوله إن الوقت غير مناسب، وتساءل: فمتى وقته إذن؟! هل بعد خراب البصرة؟!5- بين دوافعه في هذا التحذير بأنه شعر بالخطر يهدد أمته بالمزيد من الانقسام وقال «الرائد لا يكذب أهله والأمين لا يخون أمانته» ووضح أن غضبته لله، لأنه لا يرضى أن يضلل قومه وأمته، وينقض الميثاق الذي أخذه الله على العلماء.6- رفض الشيخ -إغلاق الملف- باعتباره فراراً من المواجهة مع الواقع.7- طور الشيخ -ولأول مرة- مفهومه عن الخطر الشيعي من «المذهبي» إلى «السياسي»، فهذا الخطر وراءه دولة لها أهدافها الاستراتيجية، وتسعى «إلى توظيف الدين والمذهب لتحقيق أهداف التوسع»، كما أشار إلى ما سبق أن حذر الكثيرون من مخاطره، وهو تغلغل المشروع الإيراني في المنطقة عبر تمويل الحلفاء، فيقول: إن الأقليات الدينية أصبحت «أذرعاً وقواعد إيرانية» فاعلة لتوتير العلاقات بين العرب وإيران ولخدمة استراتيجية التوسع القومي لإيران.8- ينعى «الشيخ» على أصدقائه الذين وصفهم بـ«المفتونين بإيران وحزب الله» تخاذلهم عنه، وقال: إنه يعز عليّ أن أراهم في موقف يفتقد الشرعية.هذا الحوار الراقي بين مفكرين إسلاميين، يشكل «نموذجاً» لأدب الخلاف والحوار، ليته يسود بين أبناء المدرسة الإسلامية، في خلافاتهم، بعضهم مع بعض، وبينهم وبين مخالفيهم من المدارس القومية واليسارية والليبرالية.ويحسن قبل النهاية، أن أعرض تصوراتي تجاه الخلاف بين القطبين الكبيرين وهي:1- أراني متفقاً مع «الشيخ» في حقه أن يعبر «علناً» عما يستشعره من خطر «مذهبي» ويحذر منه، كما أن من حقه أن يختار «التوقيت» الذي يراه مناسباً، ونحن اليوم في عصر يتسم بالشفافية، وقد تجاوزنا أساليب المؤتمرات «المغلقة» ونبذنا مقولة «ما يقال للخاصة لا يقال للعامة» لقد سقطت الحواجز النخبوية، وأصبح من حق الجماهير أن تعي المخاطر المحدقة وأن تشارك في صنع مستقبلها من غير وصاية، وآن لنا أن نقلع عن ترديد مقولات تخويفية مثل «نشر الفتنة» بهدف الحجر على حريات التعبير، وكفانا تهرباً من مواجهة قضايانا الأساسية، وتأجيلها بمقولة «هذا ليس وقتها» وبحجة «الهجمة الشرسة» و«الأعداء المتربصين»، لقد أصبحنا في حالة طوارئ دائمة، فمتى يتم الإصلاح؟ أليست بالمصارحة والمكاشفة والاعتراف بالأخطاء؟ لن يتم أي إصلاح عبر «المؤتمرات» وهي إما أن تزيدنا انقساماً أو تنتهي بتوصيات ترضي الجميع ولا تحقق شيئاً.2- مع تقديرنا لجهود «الشيخ» في «التقريب» إلا أن شروطه «وصائية» ويلزم في قبول علماء الشيعة بها، اعترافهم بممارستها، وهم ينكرونها وإن وجدت في كتبهم القديمة، فهم لا يقولون -اليوم- بنقص القرآن، والمعتدلون منهم لا يسبون الصحابة، وإن انتقدوا مواقفهم السياسية، وكونهم يقولون: إن المساحة الكبرى من تاريخنا «ظلمات في ظلمات» يقولها معظم مؤرخينا، ونقد تاريخ المسلمين ليس نقداً للإسلام.3- لا أشارك «الشيخ» فزعه من الغزو «المذهبي» إذ لم أجد حرصاً من الشيعة على نشر مذهبهم في الوسط السني، لا حيث هم «أقلية» في منطقة الخليج، ولا حيث هم «أغلبية» في العراق، وهبه -حاصلاً- في مصر وغيرها، فما الضير؟ ألم يفتِ شيوخ الأزهر بجواز التعبد بمذهبهم؟ ألم تقّر «قمة مكة» بصحة إسلام كل المذاهب اللإسلامية المؤمنة بأركان الإسلام؟ وكونهم ينشرون أفكارهم «علانية» فذلك حقهم كمواطنين، نعم أوافق «الشيخ» في مخاطر الغزو «السياسي» الإيراني، عبر شراء «الولاءات» و«الأقلام» بالمال السياسي، للتغلغل في العمق العربي تحت شعارات المقاومة والمواجهة، ولكن ذلك لا يقتصر على الجماعات الشيعية مثل «حزب الله» بل يمتد إلى شراء ولاءات الجماعات السنية مثل «حماس» فإيران -اليوم- هي الممول الرئيس للحركات السنية الجهادية، ولها «اليد العليا» عليها، والسؤال: من الذي مكّن للنفوذ الإيراني؟ أليست جماعات الإسلام السياسي و«الإخوان» خاصة، عبر دفاعهم عن السياسة الإيرانية، ونفيهم وجود المشروع الإيراني؟ أليسوا هم الذين مازالوا يرددون بأن خطر إيران «دعاية صهيونية أميركية»؟ وإذا كانت الساحة السنية «هشة» و«مخترقة» اليوم ولم تكن كذلك من قبل، فذلك بسبب من وصفهم بـ«المفتونين» بالنموذج الإيراني ومنجزاته، والمعجبين بـ«حزب الله» وانتصاراته، فهم الذين روجوا لهذا الغزو السياسي الإيراني بحسبانه مشروعاً لمواجهة المشروع الأميركي، فخدعت الجماهير وحصل هذا الاختراق الذي نشكو منه اليوم، فمن الملوم؟! * كاتب قطري
مقالات
حوار القرضاوي و أبو المجد: نموذج لأدب الاختلاف
20-10-2008