أكتب المقال بينما أستمتع بمتابعة التغطية الإعلامية لانتخابات الرئاسة الأميركية، مستذكراً كيف كان التلفزيون هو الموجه الأبرز للرأي العام خلال انتخاباتنا الأخيرة. وكان بديهياً أن يكون للتلفزيون حضور بارز في الانتخابات بعد فتح باب إطلاق القنوات الخاصة، فموسم الانتخابات هو الأكثر ربحية. وكان من الطبيعي أن يكون مؤثراً نظراً لاتساع القاعدة الانتخابية في الدوائر الخمس وحاجة المرشحين إلى وسائل إعلام شاملة للتعريف بأنفسهم وبرامجهم، ولكن تنوعت منهجية القنوات في التعامل مع الحملة الانتخابية، وتفاوت حضور المهنية والموضوعية فيما بينها.
إحدى القنوات جسدت دور التابلويد التلفزيوني، فاعتمدت على الإثارة في أخبارها، وحدة الطرح في برامجها، والصدام والاستفزاز في حواراتها، والابتذال في الرسائل القصيرة التي تعرضها، بينما غابت عن مذيعيها أبسط مفاهيم العمل الاعلامي، فوضعت ضحالة الذوق العام وانجذابه نحو الإثارة تحت «المايكروسكوب،» إذ على الرغم من أنها كانت تعمل من شقة وبإمكانيات متواضعة، استطاعت أن تستقطب قدراً كبيراً من المشاهدين وتنافس القنوات المحترفة التي تنعم باستديوهات وقوة عمل كبيرة. وقناة أخرى استثمرت الجو المشحون بالقبلية والطائفية فكرسته في حواراتها، واستمرت في منهجية الصحيفة التي انبثقت منها في خلط الأجندة السياسية بالعمل الإعلامي، فكان الطرح موجهاً بشكل مقيت ويسيء لرسالة العمل الإعلامي، إذ كانت لديها قائمة سوداء لبعض التيارات والمرشحين تمنع ظهور إعلاناتهم واستضافتهم ونقل أخبارهم ما لم تكن سلبية. وفي المقابل، فإن التسهيلات والحصص الوقتية التي وفرتها لجماعة الإخوان المسلمين أكدت شبهة العلاقة القائمة بينهما، كما أظهرت إمكانياتها المادية الهائلة مردود سرقات المال العام لأصحابها.ومع صعود أسهم التلفزيون بوصفه الوسيلة الأكثر تأثيراً في الانتخابات، تفننت القنوات في ابتكار طرق جني المال، فظهرت فكرة إجراء المقابلات للمرشحين مقابل مبلغ من المال، واختلفت الأسعار حسب مدة المقابلة ووقتها ومن يدير حوارها، كما يُعطى المرشح حرية وضع أسئلة المقابلة فيما يعد خداعاً للمشاهد واستغفالاً لعقله، وبعكس الإعلان التجاري، فإن المشاهد لا يعلم بأن المقابلة مدفوعة الثمن. وأستغرب كيف يرضى أي إعلامي يحترم مهنته أن يوضع كرسي الضيف في برنامجه للمزايدة ويظفر به مَن يدفع أكثر؟ وكيف يرضى أن يفرض عليه الضيف محاور وأسئلة المقابلة؟لا يلام المشاهد على غياب المهنية والموضوعية عن القنوات التلفزيونية، فطالما كانت مؤسسات المجتمع المدني والرموز الإعلامية غائبة عن نقد القنوات وتصويبها، ستبقى الكلمة للدينار.Dessertالجانب المشرق في الموضوع هو أنه أصبح لدى المشاهد خيارات هو يحكم على جودتها، فمهما ساءت الخيارات فإنها تبقى أفضل بكثير من الخيار الأوحد.
مقالات
التلفزيون في الانتخابات: المهنية الغائبة
15-06-2008