هايد بارك انتخابي
إن المعارك الانتخابية في الدول الديمقراطية كافة لا تخلو من وجود الممارسات السلبية، إلا أن الفرق بيننا وبينهم أن الحالات السلبية تشكل لديهم حالات استثنائية، أما لدينا فإنها تكاد تكون هي القاعدة.في ظل غياب تنظيم متطور للحياة السياسية يسمح بوجود تنظيمات وطنية ديمقراطية تتنافس على برامج سياسية معلنة وواضحة من خلال ممارسة سياسية راقية، وفي ظل عدم إدخال إصلاحات جذرية على قانون الانتخابات ترشّد من ممارسة العملية الانتخابية فإن النتيجة هي الفوضى السياسية التي نراها الآن، وكنا قد أشرنا إليها مرارا وتكرارا في مقالات سابقة.
وهنا اسمحوا لي بطرح السؤال التالي: ترُى بماذا سيتميز مرشح ما عن مرشح آخر في ظل الوضع السياسي الحالي؟ بمعنى آخر كيف سيستطيع مرشح ما لفت نظر الناخبين إليه؟ وإذا ما عرفنا أن المعركة الانتخابية لدينا لا تتم على أسس سياسية فلا وجود لبرامج سياسية ممكنة التنفيذ تطرحها تنظيمات سياسية متنافسة، فإن الإجابة المباشرة عن هذا السؤال هي أن «التميز» بين المرشحين سيكون من خلال القدرات الشخصية للمرشح، ومدى قدرته على لفت نظر الناخب غير الواعي سياسيا الذي يهوى البطولات الفردية والهجوم الشخصي على الأفراد.لهذا نرى قيام هذا المرشح بتوجيه انتقادات شخصية حادة وجارحة قد لا يكون لها أساس، ناهيك عن أن تكون سياسية، إما لمرشحين آخرين منافسين له أو لمسؤولي الدولة على طريقة وأسلوب صحف «التابلويد»، وهنا عادة ما تكثر الشطحات الشخصية للمرشحين أثناء الخطابة الارتجالية أو المقابلات التلفزيونية أو الصحافية، وقد يتحمس المرشح أكثر ويطلق للسانه العنان فيقول كلاما قد لا يعنيه مباشرة أو قد يخونه التعبير، فتخرج منه ألفاظ غير مقبولة سياسيا أو أخلاقيا. وبهذا تتحول المعركة الانتخابية من تنافس سياسي مبني على برامج تنموية واقعية إلى معارك شخصية يكون الفوز فيها لمن يستطيع شحذ عاطفة الناخب أكثر من غيره، وهو ما نراه الآن بشكل واضح للأسف الشديد.صحيح أن المعارك الانتخابية في الدول الديمقراطية كافة لا تخلو من وجود مثل هذه الممارسات السلبية، ولكن الفرق بيننا وبينهم أن هذه الحالات تشكل لديهم حالات استثنائية، أما لدينا فإنها تكاد تكون هي القاعدة، فما نشاهده اليوم في الساحة السياسية يذكرنا في ما يحدث في ركن المتحدثين في «الهايد بارك» اللندنية! نافذة:إذا كانت الحكومة ترى أن هناك مخالفة للقانون من قبل بعض المرشحين فإن من حقها بل من واجبها أن تنفذ القانون على الجميع من دون تعسف، لأنه لا يمكن لأي عاقل أن يعترض على اتخاذ الحكومة الإجراءات الدستورية والقانونية السليمة من دون مبالغة أو انتقائية.لهذا فقد كان المفروض أن تقدم الحكومة بلاغها ضد المرشحين الذين تعتقد أنهم قد تجاوزوا القانون للنيابة العامة للتحقيق فيه من دون استعراض للقوة أو استفزاز للناس أو ضجة وإثارة صحافية. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء