يقول الشاعر التركي عساف هـالت في إحدى قصائده الرائعة:

Ad

صنعت تمثالاَ لرجل من الخشب

له عينان لا يبصر بهما

له شفتان لا يتكلم بهما

له أذنان لا يسمع بهما

وحينما أنجزت العمل

صاح بأعلى الصوت

يا إلهي لم أصبح رجلاَ

ولم أعد شجرة!

هذا التمثال يشبهني بالضبط انا العبد لله الفقير اليه سليمان الفليح العنزي الذي نشأ وترعرع ونما وتفرع في وطنه الأول الكويت فأحب هذا الوطن وغنى له وتشاجر معه مثلما يتشاجر أصدقاء الطفولة في حواريه العتيقة وغرد له هكذا:

«أنا طائر أعزل في حقول البكاء/ شاجرتني صباحاً بلادي/ لأني أغني لها في المساء/ فهل أيها العارفون بكل الأمور/ رأيتم بـلاداًَ تشـاجر اطيارها في سبيل الغناء»

وبالطبع كان ذلك عتاباًَ حميماًَ بين الطائر ودوحته الورافة التي يأوي اليها ويحبها من القلب، والتي لاتعني لبعض القساة من الناس سوى انها موئل لاصطياد الطيور الجميلة لا لكي يستمتعوا بعذب الغناء، ولكن لطعم الشواء رغم أن طعم لحوم الطيور الغريدة مر المذاق كلحم الجوارح من سائر الطير مثل الصقور (ومن لا يعرف الصقر يشويه)، بل يعمل من لحمه (كبـسـة)، أيها الاصدقاء كل هذا لا يهم لكن ما يهمني هنا هو أن يجحد احد (الأصدقاء الأدباء) تغاريدي في سماء الكويت وعطاءاتي المتواضعة في مجال الادب حينما يُصدر كتاباً يؤرخ للشعر، مع أنـه ليس ضليعاًَ بهذا المجال، وان كان احد الذين يُعدون في مجال (السرد) على أصابع اليد الواحدة، ولكن ما يؤلمني أنه كان أحد شهود ازدهار القصيدة، بل أنه دائماً كان يتوسط الراحلين من الاصدقاء كخـالد سـعـود الـزيـد وعـبـدالله الـعـتـيـبي ومن الأحياء سـلـمهم الله خـلـيـفة الوقـيـان ويـعـقـوب السـبـيـعي، وكان يعرف تماماً أنني لم أغب عن المشاركة في كل أمسية تحييها الرابطة طوال ثلاثة عقود متتالية، كما أنه لم يشفع لي عنده خمس مجموعات شعرية تتوزع في مكتبات الكويت فأنا (عـنـده) ويا لعار التصنيف والفئوية التي كان يرفع شعاراته ضدها لست كويتياً ولا حتى غير ذلك! مثلما (أخترع) من (عندياته) توصيفاً لزملائه الذين لا يحملون الجنسية لم يتوصل اليه حتى أشد العنصرين من الناس، فكيف به وهو الأديب الذي يؤمن بـ(الأمـة الواحـدة) وهم يكتبون بلغة الامة الواحدة.

يبقى القول أخيـراً انني لم أشـأ ان اكتب هذا البوح الحميم افتراضاً مع حسن النية والطوية، ولكن لشدما أحزنني أنني رأيت هذا الصديق الاديب بعد (8) اعوام من الغياب في أمسية البابطين الاخيرة، وتقاطعنا على الباب ولكنه لم يقل لي سلاماً، فسلام له وسلام الى الاصدقاء، وسلام لأرض الـكويت التي هي من يقررُ من سيبقى عليها من الخالدين.