مبادرات جسر الصبية وميناء بوبيان ومدينة الحرير وغيرها، لم تأخذ بعين الاعتبار أي معايير لحماية البيئة، بل إن المسؤولين والمؤتمنين على الهيئة العامة للبيئة وقّعوا شيكاً على بياض لتمريرها، إما حياءً أو تحت الضغط السياسي أو حفاظاً على كراسيهم، رغم يقينهم بالكوارث البيئية التي قد تسببها أحلام اليقظة في مناطق غير مناسبة إطلاقاً لإقامة تلك المنشآت العملاقة عليها.الحساسية السياسية أصبحت مرهفة بشكل كبير لدى الرأي العام الكويتي من إثارة أي مواضيع جدلية في العلاقة بين المجلس والحكومة، فبمجرد طرح موضوع أو التنبيه إلى ملاحظات حيوية على مشروع معين، تكون تُهم التأزيم جاهزة، خصوصاً إذا كان الطرح من قبل أعضاء مجلس الأمة.
والعقدة السياسية الأخرى التي نعانيها في تحديد العلاقة بين السلطتين، هي تهمة إعاقة التنمية وصد مشاريع النهضة وتحويل الكويت إلى مركز إقليمي متطور يعيد لها أمجادها في مرحلة ما بعد الاستقلال.
وما بين هاتين العقدتين وجد أصحاب المصالح والنفوذ، وبعد استسلام الكثير من صنّاع القرار والمسؤولين الكبار في الدولة لإرادتهم، فسحة كبيرة في تمرير ما يشاؤون من المشاريع والمبادرات في إطار نظرة ضيقة لا تتعدى المردود المادي والأرباح المالية المتوقعة منها والشهرة الإعلامية من وراء ذلك.
وعلى الرغم من أهمية المشاريع التنموية وضرورة التركيز على التوسع العمراني الحديث وتشجيع المبادرات الذكية والحاجة الفعلية إلى ترجمتها على أرض الواقع كتحد ٍبشري والدخول في منافسة حضارية وتلبية احتياجات الأجيال القادمة، فإن الأهم من ذلك هو مراعاة الجوانب الإنسانية والأخلاقية في مثل هذه المشاريع، فالحضارة والتنمية والعمران ليست مجرد مبانٍ ومنشآت، بل إنها ترسيخ لمبادئ الصحة العامة والمحافظة على البيئة وحماية الإنسان من أضرار المد المادي.
ولا نبالغ إذا قلنا إن البيئة ستكون مستهدفة بشكل منتظم ومركز من قبل الكثير من المشاريع التي صوِّرت على أنها ستحوّل الكويت إلى جنة على الأرض، فمبادرات جسر الصبية وميناء بوبيان ومدينة الحرير وغيرها لم تأخذ بعين الاعتبار أي معايير لحماية البيئة، بل إن المسؤولين والمؤتمنين على الهيئة العامة للبيئة وقعوا شيكا على بياض لتمريرها إما حياءً أو تحت الضغط السياسي أو حفاظاً على كراسيهم، رغم يقينهم بالكوارث البيئية التي قد تسببها أحلام اليقظة في مناطق غير مناسبة إطلاقاً لإقامة تلك المنشآت العملاقة عليها.
وقد نبهنا مراراً إلى خطورة تسيّد القرار السياسي على الاعتبارات الأخرى، ولكن من دون جدوى، ونعلم علم اليقين أن مجرد التصعيد في هذا الملف سيثير نغمة التأزيم وتقرع طبول التباكي على التنمية!
ولكن الأخطر من ذلك كله، هو استباحة البلد بالكامل من خلال تدشين المخطط الهيكلي الجديد للدولة على مستوى المجلس البلدي ومجلس الوزراء، من دون أي دراسة للمردود البيئي على هذا المشروع الضخم، وما يدعو إلى الحزن والأسى، أن الدولة قد صرفت مبالغ هائلة على ثلاثة قطاعات على الأقل كذخيرة لمثل هذا اليوم، وهي معهد الأبحاث وجامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، من خلال تهيئة كوادر متخصصة في شؤون البيئة، وهذه الكوادر من ناحيتها بذلت جهودا مخلصة ودؤوبة في إعداد الدراسات والبحوث في هذا الشأن، ولكن مصير تلك الجهود التراكمية كانت سلة المهملات في عين أصحاب القرار الكويتي!
وحتى لا نُتَّهم بالتأزيم وهذه المرة بسبب البيئة، فإننا ندعو جمعيات النفع العام والنشطاء في مجال البيئة ووسائل الإعلام، إلى التصدي وبحزم لهذا التهديد القادم الذي لن يرحم أبناءنا، ولخلق رأي عام مستنير يمهد لدخول مجلس الأمة على خط المواجهة... وعندئذ نفلت من عقدة «بيئة» التأزيم!