أيعقل أن يتصدى لقاتل أطفالنا في قانا شاب بريطاني في مقتبل العمر، ربما لم يسمع حتى بمجازر صبرا وشاتيلا، ناهيك عن دير ياسين وكفر قاسم وأم البقر وغيرها العشرات، ويخرج شاهراً غضبه بتلك الصورة الرائعة والشفافة على القاتل الصهيوني، ونحن نبخل على أهلها حتى بصيحة الغضب البريطانية هذه؟!مرة أخرى وكأن التاريخ يعيد نفسه وتتكرر القصة مع «شعب أبي طالب»، ولكن هذه المرة مع غزة هاشم، وأبو جهل يعاند ويكابر ولا يريد الإذعان للسنن الكونية القاهرة!
قالها لي شاب سوري يعمل حلاقاً في إحدى العواصم العربية الخليجية، وهو مغتاظ مما كان يراه يوميا على التلفاز من مناظر الحصار الخانق على الشعب الفلسطيني الصابر من جهة، ومناظر الاستقبالات والتكريم للمجرمين والقتلة والسفاحين في القصور العربية من جهة أخرى!
ثم كان ينتهد ويقول بأعلى صوته: شيء من الغضب يا عرب!
كان هذا يوم استقبل أحد القتلة المشهورين في أحد القصور العربية الرئاسية، ثم تكرر الشعور نفسه حين عرضت الشاشات العالمية مشهد ذلك السفاح ومصاص دماء أطفال قانا، أقصد شمعون بيريز وهو يستقبل في الأحضان من قبل بعضهم فيما تفتح الأمم المتحدة له وبرعاية عربية كاملة ليلقي دروسا في الأخلاق والحوار والسلام!! تذكرت ذلك الشاب السوري البسيط وشعوره العفوي الطاهر ذاك، وأنا أشاهد منظر أحد الطلبة البريطانيين من جامعة أكسفورد، يهاجم السفاح بيريز ويقاطعه بكل رجولة وشجاعة، ليقول له أنت كذّاب وأنت آخر من يحق له الكلام عن السلام والحوار، وشعب غزة محاصر من قبل قواتك وجدار الفصل العنصري يشهد عليك أيها الكذّاب الأشر!
وعندها تمنيت فقط لو أن الأرض ابتلعتني من شدة الخجل، وتصورت كيف ستكون حالة ذلك الشاب السوري الذي هو نموذج عام يصلح أن ينطبق على كل شاب عربي غيور مليئة بهم أمة العرب، لكنهم مكبلون بقيود حراس السلام الكاذب والحوار العقيم والمبادرات الجوفاء وانعدام الشعور بالغضب!
وقلت بيني وبين نفسي: أيعقل أن يتصدى لقاتل أطفالنا في قانا شاب بريطاني في مقتبل العمر، ربما لم يسمع حتى بمجازر صبرا وشاتيلا، ناهيك عن دير ياسين وكفر قاسم وأم البقر وغيرها العشرات، ويخرج شاهراً غضبه بتلك الصورة الرائعة والشفافة على القاتل الصهيوني اعتراضا على الجدار العنصري وحصار غزة فقط، فيما لا نكتفي -نحن العرب والمسلمين- بالتفرج على ما يحصل في غزة هاشم بل نبخل على أهلها حتى بصيحة الغضب البريطانية هذه؟!
ماذا جرى لنا ؟! كيف تتكرر مشاهد استقبال القتلة هؤلاء عندنا وبشكل شبه دوري و يتم بثها على الهواء مباشرة وبالعربية الفصحى أي بلغة القرآن العظيم، ولا يخرج شاب عربي صحافي مثلا، والصحفيون كما يفترض يحملون رسالة الأنبياء كما يصفهم البعض، فيغضب كما غضب ذلك الشاب البريطاني الغيور على الإنسانية ويقاطع السفاح شيمون بيريز ليقول له: إنك ومن تمثل مجموعة من القتلة، وإنك كذاب أشر، ولا مكان لك عندنا، وارحل من بلادنا أيها الغاصب والمغتصب... إنها حسرة في قلبي، وأظن أنها حسرة في قلب ملايين العرب والمسلمين!
في بداية السبعينيات هاجم طالب جامعي إيراني فارع القامة وزير خارجية شاه إيران، وهو يخطب من على منصة إحدى الجامعات على ما أظن، وفضحه وفضح نظامه المعادي للشعب الإيراني المسلم وللشعب العربي على الملأ، فاستحق كل الثناء والتقدير والإعجاب ليس فقط من زملائه من كل الأطياف والجنسيات، بل من العديد من القيادات العربية المناضلة آنذاك، حتى أن القيادة السورية في حينها- وتحديدا من قبل المناضل إبراهيم ماخوس- قامت بمنحه جوازاً سورياً دبلوماسياً ظل يتنقل به إلى حين انتصرت ثورة شعبه على ذلك الطاغية المعادي لطموحات شعبه الإسلامية التضامنية مع محيطها العربي ولقضية العرب والمسلمين!
الشاب البريطاني الذي رأيناه على شاشات التلفزة وهو يغضب لفلسطين وللعرب وللمسلمين، وتحديداً لشعب أبي طالب المحاصر في غزة هاشم، ألا تعتقدون أنه يستحق جوازاً فلسطينياً وعربياً وإسلامياً يشرف به أحرار العالم المتضامنين اليوم مع أهل غزة، ويحاولون كسر حصارها من جهة، ويفضح من جهة أخرى سكوت، إن لم يكن خنوع، بعض أولئك الناطقين بالعربية والمتمنطقين بالإسلام فيما العروبة والإسلام منهم براء براء؟!
* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني