فرصة ذهبية مهدرة
![بروجيكت سنديكيت](https://www.aljarida.com/uploads/authors/176_1682431716.jpg)
من الناحية النظرية، نستطيع ببساطة أن نكمل وجبات الأطفال بفيتامين (أ) على شكل كبسولات، أو إضافته إلى بعض المواد الغذائية الأساسية، تماماً كما نضيف اليود إلى ملح الطعام لمنع الإصابة بقصور الغدة الدرقية أو تضخمها. ومن المؤسف أن الموارد المطلوبة (مئات الملايين من الدولارات) غير متاحة، وكذا البنية الأساسية اللازمة للتوزيع.وتقدم التكنولوجيا الحيوية حلاً أفضل وأرخص وأكثر تيسراً: وهو الأرز الذهبي الذي تحتوي حباته المعدلة وراثياً على الـ«بيتا كاروتين». والفكرة بسيطة، فرغم أن «بيتا كاروتين» لا يتم تخليقه طبيعياً في بذور نباتات الأرز، فإن الأجزاء الخضراء من النبات تصنعه. وباستخدام تقنيات ربط الجينات لتقديم الجينين المسؤولين عن هذه الإنزيمات يصبح في الإمكان إعادة توجيه المسار بحيث تصبح حبات الأرز قادرة على تخزين كميات علاجية من الـ«بيتا كاروتين».إن الأرز الذهبي يتيح لنا إمكانية الإسهام في تعزيز صحة البشر ورفاهيتهم على نحو لا يقل نجاحاً عن اكتشاف وتوزيع لقاح شلل الأطفال. ومع استخدامه على نطاق واسع فمن الممكن أن ينقذ مئات الآلاف من أرواح البشر في كل عام، وأن يحسِّن من نوعية الحياة لملايين آخرين. ولكن أحد جوانب هذه القصة المشرقة يشوبه التكدير. فقد نجحت المعارضة المتعنتة من جانب مناهضي العلم، والناشطين في معاداة التكنولوجيا- حركة السلام الأخضر، وجماعة أصدقاء الأرض، وبضع جماعات أخرى- في حض المشرعين المجبولين بالفعل على النفور من المجازفة على تبني توجه حذر كان سبباً في عرقلة الموافقات. الحقيقة أن قضية الأرز الذهبي ليس فيها على الإطلاق ما يستدعي استعراض كل حالة على حدة أو هذا الكم الهائل من البيروقراطية المترددة. وكما نشرت الجريدة البريطانية Nature (الطبيعة) في عام 1992، فهناك إجماع علمي واسع النطاق على أن «القوانين الفيزيائية والبيولوجية نفسها تحكم استجابة الكائنات الحية المعدلة بواسطة الأساليب الجزيئية والخلوية الحديثة كما تحكم أيضاً تلك المنتجة بالأساليب التقليدية... وعلى هذا فلا يوجد تمييز ملموس بين التعديل الوراثي للنباتات والكائنات الدقيقة بواسطة السبل التقليدية أو عن طريق التقنيات الجزيئية التي تعمل على تعديل الحمض النووي ونقل الجينات». ولكن من ناحية أخرى، ينبغي للتنظيمات الحكومية الخاصة بالأبحاث الميدانية التي تجُرى على النباتات أن تركز على السمات التي قد تكون مرتبطة بالمخاطر- التطفلية، وانتشار الأعشاب والسمية- بدلاً من التركيز على ما إذا كان أسلوب أو آخر من التلاعب الجيني قد استخدِم. بعد تسعة أعوام من ابتكاره، وعلى الرغم من إمكاناته الواسعة في خدمة الإنسانية- والاحتمالات التي تكاد تكون معدومة فيما يتصل بقدرته على إلحاق الضرر بصحة البشر أو البيئة- فمايزال الأرز الذهبي محاطاً بالبيروقراطية على نحو لا يبشر بنهاية قريبة لكل هذا.وعلى النقيض من ذلك فإن النباتات التي أنشئت بأساليب أقل دقة مثل تقنيات التهجين أو إحداث الطفرات لا تخضع عموماً لأي تدقيق أو متطلبات من جانب الحكومة (أو معارضة من جانب الناشطين) على الإطلاق. وينطبق هذا حتى على العديد من أنواع النباتات الجديدة التي نتجت عن «التهجين بين أنواع مختلفة» عن طريق نقل الجينات من نوع أو جنس إلى آخر- على نحو يتجاوز ما كان يعتبر فيما مضى حدوداً للتكاثر الطبيعي.في شهر أكتوبر الماضي، أعلنت جوديث رودان رئيس مؤسسة «روكفلر» أن منظمتها ستقدم التمويل اللازم للمعهد الدولي لبحوث الأرز لرعاية الأرز الذهبي عن طريق حث عمليات الموافقة التنظيمية في بنجلاديش، والهند، وإندونيسيا، والفلبين. وهذه أنباء طيبة، ولكن الأمر يتطلب في الحقيقة إصلاحات قوية متعددة الأوجه للعملية التنظيمية، حتى تتوفر فرصة النجاح لكل ابتكارات البناء الوراثي الجديدة. في مقالة افتتاحية لعدد مجلة العلوم، الصادر في شهر أبريل، كتبت نينا فيدوروف، وهي واحدة من علماء الوراثة البارزين التي تشغل منصب كبيرة المستشارين العلميين لوزيرة خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس: «إن الثورة الخضراء الجديدة تتطلب التزاماً عالمياً بإنشاء بنية أساسية زراعية حديثة في كل مكان، وتوفير الاستثمار الكافي في التدريب والمختبرات الحديثة، والتقدم نحو توجهات تنظيمية مبسطة تتسم بحسن الاستجابة لأدلة السلامة المتراكمة».بيد أن قصة الأرز الذهبي تشير بوضوح إلى أننا لم نكتسب بعد القدر اللازم من الإرادة والحكمة لتحقيق تلك الغايات.* هنري ميللر | Henry I. Miller ، طبيب وزميل معهد «هووفر»، ومسؤول بارز سابق لدى المعاهد القومية الأميركية للصحة وإدارة الأغذية والعقاقير«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»