يكثر الجدل في هذه الأيام حول ما إذا كانت تتوافر شروط الضرورة في المراسيم بقوانين التي صدرت وستصدر خلال الأيام القليلة القادمة، قبل انعقاد الفصل التشريعي المقبل.

Ad

ومبعث هذا الجدل، والخشية التي يقوم عليها، ترجع إلى أن إقرار القوانين هو وظيفة السلطة التشريعية (مجلس الأمة)، في ظل مبدأ الفصل بين السلطات، وأن ما تملكه السلطة التنفيذية، في النطاق التشريعي، يقتصر على ما تصدره من لوائح، تنفيذاً للقوانين، ومن هنا لا تقابل بالارتياح سلطتها في إقرار القوانين، للخشية في أن يكون ذلك طريقها إلى التوغل على اختصاص السلطة التشريعية، في غيبة البرلمان، خصوصاً أنه قد يكون من بين هذه القوانين ما قد ينتج آثاره كاملة قبل انعقاد مجلس الأمة، وعرض هذه المراسيم عليه، مثل القوانين المقيدة للحريات، والقوانين الاقتصادية التي قد تحظر الاستيراد لبعض السلع أو من بعض البلاد خلال فترة مؤقتة، قد تنتهي قبل تصدي البرلمان لهذه المراسيم بقوانين ورفضه لها، ومن ثم تكون قد استنفدت آثارها بما ألحقته من أضرار بالمستوردين لهذه السلع.

وحسناً فعلت الحكومة، عندما خيبت ظن البعض بأنها ستصدر مرسوماً بقانون بتعديل الدوائر الانتخابية أو إعادة تقسيمها، والذي كان موضع تعليق واستنكار، باعتباره حيلة تلجأ إليها الحكومات في بعض الدول، وقد عرفت في الولايات المتحدة الأميركية باسم Gerrymander نسبة إلى حاكم ولاية ماسشوسيتش الأميركية Gerry الذي برع في هذه الحيلة، حتى أصبح التلاعب في تقسيم الدوائر الانتخابية فناً يعرف باسمه منذ القرن التاسع عشر، ولجأت إليه حكومة نابليون الثالث والحكومات المتعاقبة في فرنسا إلى أن أعيد تقسيم الدوائر بطريقة صحيحة بناء على اتفاق تم بين الأحزاب الفرنسية عام 1958.

ومن هنا اعتبر البعض، أن اختصاص السلطة التنفيذية بإصدار المراسيم بقوانين، وهي السلطة المخولة للحكومة بموجب المادة (71) من الدستور، ثغرة في مبدأ المشروعية وفي مبدأ الفصل بين السلطات، الذي هو جوهر النظام الديمقراطي، بسبب ما تتمتع به من سلطة تقديرية كاملة في تقدير توافر حالة الضرورة.

والواقع أن فكرة الضرورة التي عبرت عنها المادة 71 من الدستور، باتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، والتي تبرر للحكومة إصدار هذه المراسيم بقوانين، في غيبة البرلمان ليست الحالة الوحيدة التي تبرر ذلك للحكومة ، بل قد تستمد الحكومة هذه السلطة من تفويض لها يقره مجلس الأمة، حتى في أثناء انعقاده، مثلما فعل مجلس الأمة في الخامس من يونيو سنة 1967 بالقانون رقم 23 لسنة 1967 والذى خوَّل بموجبه السلطة التنفيذية إصدار مراسيم لها قوة القانون في بعض الشؤون الطارئة، والتي حصرتها المادة الأولى منه في شؤون الدفاع والتدابير المتعلقة بمصالح العدو ومن يؤازره وحفظ الأمن والنظام العام والشؤون الخاصة بالائتمان، وكان التفويض لمدة ثلاثة أشهر، وتم تجديد العمل به بالقانون رقم 38 لسنة 1967.

وقد صدر في ظل هذا التفويض واستناداً اليه وليس استناداً إلى المادة 71 من الدستور، المرسوم بقانون رقم 1 لسنة 1967 في شأن تنظيم الائتمان والمرسوم بقانون رقم 2 لسنة 1967 بإنشاء الحرس الوطني.

وفي نطاق النظام الدستوري، لا يقتصر الخضوع لشرط الضرورة باعتباره ركناً أساسياً في العمل القانوني على سلطته فى إصدار المراسيم بقوانين وحدها، بل يجد هذا الشرط تطبيقاً له في نصوص أخرى من الدستور، مثل إعلان الأحكام العرفية والذي تجيزه المادة (69) من الدستور في أحوال الضرورة التي يبينها القانون.

وتعتبر الضرورة شرطاً أساسياً فى مرسوم حل مجلس الأمة، وإن لم يرد هذا الشرط صراحة في نص المادة 107 من الدستور، إلا أنه شرط تقتضيه طبيعة هذه السلطة المخولة لرئيس الدولة، وقد نصت عليه بعض الدساتير المقارنة، مثل المادة 126 من الدستور المصري الصادر في عام 1971، والذي لم يقع في ظله حل مجلس الشعب الا مرتين، وتم الاستفتاء على ذلك في المرتين طبقاً لحكم المادة 136 من الدستور، وكانت المرة الأولى في 11 أبريل سنة 1979 حين تم استفتاء الشعب على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، إذ تضمن الاستفتاء حل مجلس الشعب والدعوة إلى انتخابات عامة، والبادي أن اقتران الأمرين معاً، يرجع إلى المعارضة التي قوبل بها رئيس الدولة في مجلس الشعب عندما ذهب إلى المجلس ليلقي بيانه في شأن هذه المعاهدة، حيث ضاق الرئيس بالأصوات المحدودة التي تعالت في المجلس اعتراضاً على هذه المعاهدة فقرر الاحتكام في شأنها إلى الشعب بالاستفتاء عليها، وقرن ذلك بالاستفتاء على حل البرلمان.

أما المرة الثانية فقد تم الاستفتاء على حل البرلمان استفتاءً شعبياً في سبتمبر سنة 1990، بسبب صدور حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية القانون رقم 114 لسنة 1983 بإجراء الانتخابات (الدعوى 131 س6 قضائية دستورية) تلاه حكم صدر من المحكمة ذاتها بجلسة 19/5/1990 بعدم دستورية القانون رقم 188 لسنة 1986 أيضاً والذي مزج بين نظام القوائم والانتخابات الفردية، وهو القانون الذي تم انتخاب مجلس الشعب على أساسه، مما أثار جدلاً في الفقه حول الأثر المترتب على هذا الحكم وهل يؤدي حتماً إلى صدور قرار رئيس الجمهورية بحل مجلس الشعب، أم أنه يجب استفتاء الشعب على هذا الحل طبقاً لنص الدستور؟ وكان البعض يرى، عدم جواز الاحتكام إلى الشعب في موضوع حسمه القضاء، احتراماً لأحكام القضاء، والتى تنفع بحجية عينية مطلقة في مواجهة الكافة، إلا أن رأيا آخر رأى بأن الأمة هي مصدر السلطات جميعاً، ومن بينها السلطة القضائية، وأن الأحكام القضائية تصدر باسم الشعب، مصدر هذه السلطات، فلا يوجد ما يمنع من الاحتكام إلى الشعب، في مصير السلطة التشريعية (مجلس الشعب) بعد صدور هذا الحكم بعدم دستورية القانون الذي تم انتخاب المجلس على أساسه، وحسم رئيس الجمهوري هذا الجدل الفقهي أن قرر الاستفتاء على الحل، طبقاًُ للدستور، وسداً للذرائع، وحتى لا يفتح باب جديد للطعن على انتخابات البرلمان الجديد، إذا تم حل مجلس الشعب دون الاستفتاء عليه.

ومن الجدير بالذكر أن المحكمة الدستورية العليا فى مصر قضت بأن الاستفتاء الشعبي على قرار جمهوري بحل إحدى الجمعيات الخاصة لا يسبغ الصحة على قرار ولد باطلاً ولا يرد قراراً معدوماً إلى الحياة.

وللحديث بقية إن كان فى العمر بقية.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء