الملك المؤيد شيخ أحد أهم شخصيات العصر المملوكي التي نشأ حولها خلاف بين اثنين من أشهر مؤرخي هذا العصر وهما العلامة تقي الدين أحمد بن علي المقريزي والمؤرخ الكبير جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي الأتابكي.

Ad

وحقيقة الأمر أن الخلاف بين المؤرخين في تقييم سيرة المؤيد شيخ هو اختلاف بين منهجين وموقعين اجتماعيين متباينين أشد التباين.

فالمدرسة المقريزية في التاريخ إضافة إلى التزامها التقليدي بالنقل عن المصادر المعاصرة للأحداث ( العنعنة) واعتنائها بالأحداث السياسية التي تدور حول الشخصيات الرئيسية من الحكام، تطعم كتاباتها بنوع من التقصي الاجتماعي لما يجري بعيداً عن كواليس السلطة وفي كل الأحوال، كان لدى المقريزي معياران يقيس عليهما سلوك الحكام، أولهما ديني وبه يقاس مدى مطابقة هذا السلوك للشرع الإسلامي، وثانيهما تاريخي يقارن بواسطته الحكام مع من سبقوهم منذ العصر الإسلامي الأول، فهو يرى على سبيل المثال، أن حكام المماليك على إطلاقهم كانوا أهل ظلم، وأنه لا وجه للمقارنة بينهم وبين السلف الأول من حكام المسلمين الا إن بعض حكام المماليك أظلم من بعض ، فالفارق بينهم نسبي في إطار الظلم.

أما المنهج الذي اتبعه ابن تغري بردي ، فهو أقرب إلى تسجيل الوقائع اليومية، وجميعها يتمحور حول قرارات الحكام، ولا يتطرق إلى ما يتصل بالحياة الاجتماعية إلا في إطار ردود الأفعال الشعبية التي تكون صدى لمثل هذه القرارات.

وإذا ما عدنا مرة أخرى إلى المؤيد شيخ فسنجد أن المقريزي في تناوله لسيرته يميز بين صفاته الشخصية وممارسته لحكم المسلمين، فيتفق دون تحفظ مع ابن تغري بردي على أن المؤيد كان "شجاعا مقداماً يحب أهل العلم ويجالسهم ويجل الشرع النبوي ويذعن له ولا ينكر على طلب من إذا تحاكم إليه أن يمضي من بين يديه إلى قضاة الشرع بل يعجبه ذلك وينكر على أمرائه معارضة القضاة في أحكامهم، وكان غير مائل إلى شئ من البدع وله قيام في الليل إلى التهجد أحياناً”.

ومن محاسنه الشخصية ينتقل المقريزي إلى قائمة مطولة من السوءات وجميعها غير مكذوب وتؤيده فيما ذهب إليه الأحداث والوقائع التاريخية حيناً، وما قاله ابن تغري بردي نفسه دفاعاً عن المؤيد حيناً آخر.

فيقرر المقريزي أن السلطان "كان بخيلاً مسيكاً يشح حتى بالأكل ، لحوحاً غضوباً نكداً حسوداً معياناً ، يتظاهر بأنواع المنكرات فحاشا سبابا شديد المهابة حافظاً لأصحابه غير مفرط فيهم ولا مطيع لهم”.

وإذا كان ابن تغري بردي يعارض المقريزي فيما وصف به المؤيد من الشح مؤكداً أن سلطانه كان يشح فقط على أولئك الذين لا يعجبونه!! فإنه في مؤلفه الضخم” النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة”، أورد ما يؤكد أن المؤيد شيخ كان بالفعل، لا ادعاء يتظاهر بأنواع المنكرات فحاشاً سباباً”.

فهو أولاً يتظاهر بشرب الخمر من قبل أن يلي السلطنة، كما تشير إلى ذلك حادثة غضب سيده ومعتقه الملك الظاهر برقوق التي تكررت كثيراً ، وفي كل مرة كان برقوق يضرب مملوكه شيخ ضرباً مبرحاً” لانهماكه في السكر وعزره وهو لا يرجع عما هو فيه " .

وعندما أصبح سلطانا لم يتورع عن إتيان هذا الفعل علانية، فيذكر عنه أنه في الثاني والعشرين من صفر عام 821 هـ نزل من القلعة لعيادة الأمير الطنبغا القرشي لمرض ألم به ثم عرج على بيت جقمق الدوادارد” فأقام يومه كله وعاد من آخر النهار إلى القلعة على حالة غير مرضية من شدة السكر”.

كما كان المؤيد مقامراً يلعب الورق، وقد اشترى بما ربحه من القمار في إحدى المرات مملوكا له هو أقباي الذي أصبح فيما بعد نائباً لحلب حتى قتله السلطان عام 820هـ.

وكأن ما سبق لم يكف المؤيد، فأضاف إلى شرب الخمر والميسر الميل إلى الغلمان..!!

وقد اتهمه المقريزي بأنه من "أكبر أسباب خراب مصر والشام لكثرة ما كان يثيره من الشرور والفتن أيام نيابته بطرابلس والشام، ثم ما أفسده في أيام ملكه من كثرة المظالم ونهب البلاد وتسليط أتباعه على الناس يسومونهم الذلة ويأخذون ما قدروا عليه بغير وازع من عقل ولاناه من دين”.

أما الأسوأ من كل ما سبق فهو استيلاؤه على الأموال بطريقة لا تخلو من دهاء حيث اعتمد على مجموعة من المعاونين الذين تخفى وراءهم وكأنه ليس مسؤولا عن أفعالهم .

وبإيجاز غير مخل استعمل المؤيد موظفيه ومباشريه وكأنهم إسفنج يرميه على رعاياه ليمتص ما بحوزتهم من مال ثم يقوم هو بعد ذلك بعصر الإسفنج واستصفائه موهما الناس أنه يفعل ذلك انتقاماً من هؤلاء القساة العتاة بعد أن اكتشف على حين غرة انحرافهم عن جادة الصواب وبذا يبقى السلطان بعيداً عن مفاسد ولاته وقريباً في ذات الوقت مما جمعوه من مال، دون أن يفكر ولو مرة واحدة فى رد تلك الأموال إلى أصحابها الذين اعتصبت منهم دون وجه حق .

يأخذه تارة بوصفه من متحصلات الدولة وتارة أخرى باعتباره هدايا يقدمها الموظفون إليه في كل مناسبة وبدون مناسبة ثم تارة ثالثة كثروات غير شرعية يصادرها من أصحابها الذين أفحشوا في ظلم الرعية.

وقد فطن المقريزي إلى تلك الحيل وكان دقيقاً حينما قال إن المؤيد دأب على "تسليط أتباعه على الناس يسومونهم الذلة ويأخذون ما قدروا عليه بغير وازع من عقل ولاناه من دين”.

ومن أشهرالولاة في سلطنته عبد الغني الفخري الأستادار الذي روينا قصته فى حلقة سابقة وقد صادره المؤيد غير مرة.

وقد شيد المؤيد شيخ مسجداً في أرض كان يشغلها حبس المعونة وذلك وفاء بنذره حينما حبس في هذا السجن وهو أمير, وقد سقطت إحدى مئذنتيه وقت البناء فقتلت بعض المارة.

ومن الملفت للنظر أن جامعه تعرض لحوادث عدة أدت إلى تخرب معظم مبانيه وتجري الآن محاولات كثيفة لإعادة ترميمها.