حرب بلا نهاية في الكونغو

نشر في 31-12-2008
آخر تحديث 31-12-2008 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت منذ فترة، قال أنطونيو غوتيريس، رئيس المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أثناء حديثه عن جمهورية الكونغو الديمقراطية: «لا أحد في العالم الخارجي يشعر بالتهديد، وعلى هذا فإن المجتمع الدولي لا يولي الأمر أي قدر حقيقي من الاهتمام».

إلا أن الأمر لم يعد كذلك: ففي الوقت الحاضر أصبحت الأحداث الجارية في إقليم نورث كيفو الواقع إلى شرقي الكونغو تحتل العناوين الرئيسية كل يوم تقريباً. وفي أغسطس الماضي نشب القتال إلى الشمال من العاصمة الإقليمية غوما من جديد، مما أسفر عن أزمة إنسانية كبرى لا نرى لها نهاية في الأفق.

ومثله كمثل الحرب الأهلية التي دامت ثمانية أعوام (في ما كان يُـعرَف آنذاك باسم زائير) وانتهت شكلياً في عام 2002، فإن القتال الدائر حالياً يشتمل على العديد من الجماعات المحلية المختلفة: ليس فقط القوات الحكومية الكونغولية التي تتصدى للمتمردين الموالين للجنرال لوران نكوندا من التوتسي، بل وأيضاً متمردي الهوتو الروانديين الذين كانوا مسؤولين عن الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا أثناء تسعينيات القرن العشرين، فضلاً عن قوة تتمركز في الغابات وتعرف باسم ميليشيات الـ»ماي ماي». قال لي أحد أصدقائي الكونغوليين في وصفه لكل هذا «إنهم مجموعة من المفسدين».

وكما هي الحال دوماً فإن أغلب الضحايا من المدنيين الذين أوقعهم حظهم التَعِس بين فريقين متراشقين بالنيران. إن تجدد القتال بعد ثمانية أشهر من مبادرة السلام الواعدة التي عُـرِفَت باتفاقية غوما يعني المزيد من القتلى بين المدنيين وتضاؤل فرص عودة الحياة الطبيعية إلى القسم الشرقي من الكونغو.

رغم ذلك، وحتى حين تقل كثافة القتال، فإن الكونغو يعاني الآثار غير المباشرة للحرب. إذ تؤكد دراسة المسح التي أجرتها لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) لتحديد عدد الوفيات، والتي نشرتها اللجنة في وقت سابق من هذا العام، أن هذا الصراع يُـعَد الأزمة الأكثر دموية على مستوى العالم منذ الحرب العالمية الثانية: حيث لقي ما يُقَدَّر بنحو 5.4 ملايين إنسان حتفهم نتيجة للحرب والآثار المتخلفة عنها أثناء العقد الماضي. واليوم فَـر ما يقرب من ربع مليون إنسان، ونصفهم تقريباً يعيش في المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين ولا يملك أي وسيلة تقريباً للوصول إلى المساعدات. فهؤلاء يحتاجون إلى الغذاء والمأوى، والمياه النظيفة والمراحيض، والرعاية الطبية، والتعليم. ولا يجوز لنا أن ننسى حاجة النساء والفتيات إلى الحماية من أعمال العنف الجنسي التي ترتفع وتيرتها حين تضطر الأسر إلى النـزوح.

قد يبدو هذا غريباً، ولكن من وجهة نظر وكالات الإغاثة الإنسانية ليس من المهم على أي أرض يوجد المدنيون الذين يحتاجون إلى المساعدة، مادام الوصول إليهم ممكناً. والعاملون في مجال الإغاثة الذين ظلوا مقيمين في البلاد منذ أكثر من عشرة أعوام، وبصورة خاصة المنتمين مثلي إلى جماعات مثل لجنة الإنقاذ الدولية، لابد أن يعملوا مع أطراف النزاع كلها، وذلك لأن المدنيين المحتاجين إلى المساعدة متواجدون في كل مكان. بيد أن وكالات الإغاثة تحتاج إلى القدرة على الوصول إليهم.

إن قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الكونغو (MONUC) لديها تفويض من مجلس الأمن بالتدخل الكامل من أجل توفير الحماية للسكان المدنيين. وعلى هذا فحين يتم توقيف عمال الإغاثة تحت تهديد السلاح فيعجزون عن إقناع من يعترضون طريقهم بالسماح لهم بالمرور، فإن وكالات الإغاثة الإنسانية تلجأ عادة إلى قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الكونغو طلباً لتأمين وصولها إلى المحتاجين.

إن العاملين في مجال الإغاثة لا يملكون مهارات المخططين الإستراتيجيين العسكريين، لذا فهم غير قادرين على تحديد نوع أو حجم قوات حفظ السلام الكافية. ولكن وكالات الإغاثة العاملة على الأرض تتمتع بالخبرة المباشرة فيما يتصل بالتأثير المترتب على تواجد قوات حفظ السلام، ولدينا من السلطة ما يسمح لنا بأن نقول إن الحماية المتاحة لعمال الإغاثة غير كافية إلى حد خطير.

في شهر أكتوبر الماضي، وفي ذروة القتال الدائر للسيطرة على مدينة روتشورو الشمالية، قررت الفرق التابعة للجنة الإنقاذ الدولية التي كانت متمركزة هناك أن تنسحب مؤقتاً لأن المخاطر كانت هائلة. وبالتعاون مع وكالات المساعدة الأخرى شَكَّل العاملون لدى لجنة الإنقاذ الدولية قافلة واحدة، وعرضت قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الكونغو توفير عربات مدرعة لحماية القافلة. ولكن حين أوقف رجال مسلحون القافلة على الطريق فما كان من أفراد قوة حفظ السلام، وهم من أوروغواي، إلا أن استداروا ببساطة واختفوا، تاركين عمال الإغاثة لمصيرهم.

وفي أعقاب ذلك عشنا ساعات طويلة من التحرشات، والمهانة، والتهديد بالقنابل اليدوية، وإطلاق الأعيرة النارية عند أقدام زملائنا، ونهب وسلب مقر اللجنة الدولية للإنقاذ. وأخيراً وصل أفراد مجموعة أخرى من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الكونغو- وكانوا من الهند في تلك المرة- فتدخلوا لإنقاذنا وساعدوا في إجلاء عمال الإغاثة بطائرات الهليكوبتر (المروحيات العمودية).

إن حماية الجهود الإنسانية المبذولة الآن أمر ضروري وأساسي لضمان قدرة الكونغوليين المشردين في نورث كيفو على البقاء على قيد الحياة، ولكن الحل الدائم الوحيد يتلخص في وقف إطلاق النار ثم إبرام معاهدة سلام، ربما على غرار «اتفاقية غوما».

من عجيب المفارقات أن القتال الدائر حالياً، وما أسفر عنه من حشود النازحين والمشردين، كان السبب في توجيه الانتباه إلى الأزمة. ويتعين علينا أن نغتنم هذه اللحظة، ليس فقط لتعزيز قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في الكونغو، بل وأيضاً، وفي المقام الأول من الأهمية، لاستخدام سبل النفوذ المتاحة كافة للتأثير على المتقاتلين والحكومات التي تدعمهم، سعياً إلى حمل الأطراف جميعها على العودة إلى طاولة المفاوضات. إن هذه المأساة التي تصورها كاميرات التلفاز، وأوجه القصور التي يمكن ملاحظتها عن كثب، لابد أن تتوقف، وإلا فإن أنباء الأزمة سوف تختفي من على الصفحات الأولى- كما يحدث عادة مع الكونغو- بينما يستمر الاقتتال بعيداً عن الأنظار.

* أنـّا هوسارسكا ، كبير مستشاري التخطيط والسياسات لدى لجنة الإنقاذ الدولية

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top