مازلت أذكر مقالا للأستاذ محمد الرميحي قبل أكثر من شهر أعلن فيه «أن القادم للبيت الأبيض هو جون ماكين (..) فأنا علناً أضع مراهنتي على توقع الجمهوري قادما حثيثا إلى أعتاب البيت الكبير»، ولا أعلم لماذا منذ ذلك اليوم وضعت مقال الرميحي كتحد لي في انتخابات أعتقد أنها أعقد من أن يتم حسمها قبل أكثر من شهرين من إجرائها؟ ربما يعود هذا «التحدي» إلى علمي بأن الانتخابات الأميركية لا تحسم بهذه السهولة من دون أن نعرف التكتيكات التي تستخدمها الحملات الانتخابية، وقد كانت حملة أوباما- منذ بدايتها- تسن قوانين جديدة في عالم الحملات الانتخابية أصبحت كفيلة اليوم لتجعله أول أميركي من أصل إفريقي يصل إلى أعلى مناصب العالم كرئيس للولايات المتحدة الأميركية.
قد يرى بعضهم في توقعي سذاجة بعد أن لعبت الأزمة الاقتصادية لعبتها في الانتخابات الأميركية مرجحة كفة أوباما، إلا أن القريبين مني يعلمون عن مراهنتي المبكرة على ذاك الفتى النحيف من أب كيني وأم من كانساس ليفوز في سباق الرئاسة، بيد أن الفضل الأكبر في ترجيح كفة أوباما في هذه الانتخابات يعود إلى منافسه جون ماكين الذي جسد دور أيمن زيدان في «نهاية رجل شجاع» أفضل من زيدان نفسه... وكان الأحرى أن يسمي مسلسله «نهاية رجل كان شجاعا».ففي عام 2000 كان ماكين عرضة لأبشع هجوم سياسي عرفته الانتخابات الأميركية، لدرجة أن ما جرى لماكين هو المثال الصارخ الآن في أميركا لما يسمى بالحملات السلبية أو الهجومية، ففي يناير من ذلك العام كان ماكين يخوض الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية ساوث كارولاينا بعد فوزه في الانتخابات التي سبقتها بولاية نيوهامبشر على منافسه الذي لم تكن حظوظه قوية في ذلك الوقت، جورج دبليو بوش، الرئيس الحالي للولايات المتحدة. وكانت استطلاعات الرأي تشير إلى تفوق ماكين الذي قد يكون مرشح حزبه للانتخابات في ذلك العام، ورأت حملة بوش بقيادة كارل روف (تذكر هذا الاسم) أن «فرعية» ساوث كارولاينا ستكون الحاسمة في تحديد مصير فرعيات الجمهوريين، فابتكروا طريقة يقلبون بها الطاولة على ماكين، بطل الحرب وأحد أكثر الجمهوريين مصداقية في الكونغرس الأميركي، وقامت حملة بوش ببث شائعات عبر اتصالات لناخبي الولاية بأن ماكين لديه طفلة سوداء غير شرعية، وهو أمر ليس بالسهل في ولاية من ولايات الجنوب التي عرف عنها أنها محافظة وتتمتع بانقسام عرقي واضح. والشائعات التي بثت من «مصادر مجهولة» كانت بعيدة عن الواقع، حيث إن ماكين لديه ابنة من أصول بنغالية، وهي بنت تبنتها أسرة ماكين من أحد ملاجئ الأم تيريزا في بنغلاديش، لذلك فهي ليست «ابنة غير شرعية»، وعلى إثر ذلك فاز بوش في انتخابات الولاية ومنها إلى الولايات الأخرى ليصبح بعد ذلك الرئيس الثالث والأربعين للولايات المتحدة.في أعقاب ذلك، شهدت علاقة بوش وماكين توتراً شديداً، بعد أن عانى الأخير حملة بشعة لسمعته في صفوف الجمهوريين، وهو من كان دائماً مناصراً للنزاهة في الحملات الانتخابية وساهم في إقرار قانون التبرعات الانتخابية الذي حد خلاله من دخول أطراف ذات مصالح في دعم الحملات الانتخابية لأي مرشح في الولايات المتحدة. ولم تتحسن العلاقة إلا قبيل انتخابات 2004، إذ رأى بوش أنه سيكون بحاجة إلى عنصر مهم مثل جون ماكين ليسانده خصوصاً في ظل العلاقة الطيبة التي تجمع ماكين مع منافس بوش في تلك الانتخابات جون كيري، إذ كانت بعض الأنباء تشير إلى إمكانية إعلان ماكين دعمه لكيري مما يشكل ضربة موجعة لبوش. في تلك الأثناء رأى ماكين أن مصلحته تقتضي أن يقف مع بوش، خصوصاً أن فريق بوش الانتخابي بقيادة كارل روف أثبت له وللجميع في انتخابات 2000 (بشكل واضح) وفي الإدارة الأميركية أنه فريق قوي مما قد يساعد ماكين في بلوغ طموحه بأن يكون رئيساً للولايات المتحدة في يوم من الأيام، ذلك بالإضافة إلى حضور بوش القوي لدى قواعد الحزب الجمهوري خصوصاً في صفوف ما يسمى بالتبشيرين المسيحيين (Evangelicals) مما يشكل دعماً إضافياً في ماكين الذي كان من المرجح أن يخوض انتخابات 2008 بعد انتهاء ولاية بوش، وهو ما حصل فعلاً، فأعلن ماكين في سبتمبر 2004 دعمه لبوش في الانتخابات.لم يكتفِ ماكين بدعمه لبوش في الانتخابات، رغم محاولاته لخلق مسافة بينه وبين بوش الذي كان يهاجم كيري بشراسة وكون الأخير قريباً من ماكين وبطل حرب مثله مما وضع ماكين في موقف حرج، فعاد بعد الانتخابات ليساند مقترحات بوش في الكونغرس وأهمها- على صعيد السياسة الداخلية- الاستقطاعات الضريبية والتي كان ماكين يعارضها بقوة قبل الانتخابات، كما ساند زيادة عدد القوات الأميركية في العراق نهاية العام الماضي وكان أشبه بالناطق الرسمي باسم هذه السياسة، ورأى بوش في ماكين خلال سنواته في الرئاسة حليفاً مهماً في الكونغرس فيما رأى ماكين في حلفه مع بوش مصلحة انتخابية ستؤتي ثمارها في 2008.نكمل غدا...
مقالات
ماكين- نهاية رجل... كان شجاعاً
07-10-2008