في الوقت الذي تشهد فيه الجبهات الغربية المطلة على حوض البحر المتوسط «السورية واللبنانية والفلسطينية» صيفاً يبدو «هادئاً» على إثر التسويات التي تحققت، سواء في ما يتعلق بالمفاوضات الإسرائيلية-السورية حول الجولان، أو بتبادل الأسرى بين إسرائيل و«حزب الله»، أو بإعلان اتفاق «التهدئة» بين إسرائيل و«حماس»، نجد أن على الضفة الأخرى الشرقية والمطلة على الخليج، مشهداً آخر، ينذر بصيف «ساخن» و«متوتر». في هذه الفترة العصيبة نجد سماوات الخليج ومياهه مشحونة بالمناورات العسكرية للقوات البحرية الأميركية والبريطانية، تقابلها مناورات بحرية إيرانية وإطلاق صواريخ إيرانية جديدة بعيدة المدى، وهناك تحركات واستعدادات وتحضيرات متزايدة وتصريحات نارية متبادلة؛ إيران تهدد بحرق «تل أبيب» والأسطول الأميركي في الخليج والمصالح الحيوية الأميركية في العالم، ونجاد يهدّد بمحو إسرائيل من على الخريطة، وإسرائيل تهدّد بـ«تدمير الأمة الإيرانية»، ويرد المتحدث باسم الأسطول الخامس الأميركي بأننا جاهزون للدفاع عن المنشآت النفطية والبنية التحتية في الخليج.

Ad

وهكذا تتصاعد التهديدات وتتوتر الأجواء وتتجمع سحب سوداء منذرة في أفق المنطقة ويزداد القلق، والخليجيون يتوجسون ويضعون أياديهم على قلوبهم، وهم حائرون بين خطرين: خطر الضربة العسكرية لايران وتداعياتها على المنطقة، وخطر تملك إيران للنووي الذي من شأنه تغيير معادلات توازنات القوى في الخليج وخضوع الخليج لإملاءات حكام طهران الذين يطمحون في القيام بدور «شرطي الخليج» بعد أن نجحوا في التمدد في العمق العربي.

الدلائل والمؤشرات كلها تؤكد مضي إيران قدماً في مشروعها الذي يمثل حلماً «قومياً»، وهي اليوم في ظل حكومة نجاد أكثر تصميماً على الحصول على السلاح النووي مهما كانت العقبات والتضحيات، وقد أخذ نجاد على نفسه عهداً بأن يحول إيران إلى دولة «نووية» وكثيرون في إيران يشاطرونه الرأي، ولا أكون مبالغاً إذا قلت ان قضية «النووي» أصبحت اليوم قضية «قومية» ومن لوازم العزة والكبرياء الإيرانية التاريخية بحيث أصبح مَن يتخاذل عنها أو يساوم عليها متهاوناً في حق وطنه، في المقابل يبدو المجتمع الدولي، خصوصاً إسرائيل وأميركا، مصمماً على منع إيران من تحقيق حلمها النووي عبر سلسلة العقوبات الاقتصادية والتجارية وتشديد الحصار والعزلة عليها، وقد كانت آخر تطورات الموقف المتأزم أن الدول «5+1» عرضت على إيران «سلة» من الحوافز الاقتصادية والتجارية والأمنية شملت أكثر من 30 حافزاً كجائزة أو مكافأة لإيران في مقابل وقف تخصيب اليورانيوم، لكن الرد الإيراني كان غير مشجع أو بحسب التعبير الدبلوماسي «صعباً ومعقداً». ولم تكتف إيران بهذا الرد غير الإيجابي، بل هددت بإغلاق «هرمز» إذا تعرضت لعدوان كتحد للمجتمع الدولي، ويبدو أن الغربيين مازالوا متشبثين بأمل وإن بدا ضعيفاً في حلحلة التصلب الإيراني، ولذلك قرروا إرسال «سولانا» في «مهمة أخيرة» إلى إيران قبل أن يتخذوا قرارهم النهائي في فرض عقوبات جديدة على إيران.

هذه الأجواء المتوترة تذكرنا بالأجواء التي سبقت حرب تحرير الكويت، ومهمة «سولانا» تذكرنا بمهمة «بيكر» وزير الخارجية الأميركي الأسبق عندما التقى نظيره العراقي طارق عزيز عام 1990 كمحاولة أخيرة لتفادي الحرب، فهل ينجح «سولانا» في مهمته؟ وهل تحصل الانفراجة المأمولة؟ وهل ستتغلب سياسة «العقلانية» و«الواقعية» ولغة «المصالح» على سياسات «المغامرة» و«المقامرة» والاعتبارات «الإيديولوجية» واللغة «الثورية»؟ كلنا ترقب ودعاء وأمل في أن يلهم الله قادة إيران الصواب والحكمة ما يجنب المنطقة وشعوبها ويلات حرب كارثية، لكن ماذا لو تحققت أسوأ مخاوفنا ولم تنجح المهمة وركبت إيران رأسها وصعدت؟ تُرى ما هو مستقبل هذه المنطقة؟ وهل يشهد الخليج حرباً رابعة؟ وهل تنفذ إيران تهديدها بغلق هرمز «الشريان الحيوي للعالم»، والذي تعبره 30 ناقلة يومياً تحمل 17 مليون برميل، تمثل من «40-50» في المئة من تجارة النفط الدولية؟

هذه الأسئلة كلها مطروحة، والسيناريوهات المحتملة عديدة، هناك من يؤكد أن الضربة العسكرية للمفاعلات الإيرانية آتية عن طريق أكثر من 100 مقاتلة حربية إسرائيلية، أجرت أخيراً مناورات جوية فوق المتوسط كتدريب عملي على قصف محتمل لمنشآت نووية إيرانية. يؤكد الدكتور سامي الفرج «رئيس مركز الكويت للدراسات الاستراتيجية» أن المواجهات في المنطقة آتية وستكون خارج نطاق التغطية التحليلة العربية، وقال في حوار مع صحيفة «السياسة» الكويتية-مارس 2008: إن الضربة الإسرائيلية ستكون بمنزلة مظلة تمتد لتظلل على دول الخليج من دون أي طلب منها أو بذل أي جهد أو تقديم معونة، وبذلك ترفع الحرج عن دول الخليج، وأكد أن هذه الضربة ان هي وقعت في طهران فستعيد إيران إلى العصر الحجري، وأضاف موضحاً: أن إيران موجودة الآن على شواطئنا تمارس الفتن الطائفية، والتدخل السافر عسكرياً واستخباراتياً في العراق ولبنان وسورية وفلسطين وفي القرن الإفريفي، فتؤثر في أمن مصر، وتساءل: ماذا كانت ستفعل لو كانت دولة نووية؟! إذن لابد أن نسمي الأشياء بمسمياتها ونقول: إن «وأد» المشروع النووي العسكري الإيراني يصب في مصلحة دول مجلس التعاون ومصر والأردن وتركيا وكازاخستان والمغرب.

لكن في مقابل هذا السيناريو المتشائم، هناك أكثرية خليجية متفائلة، ترى أن ما يحدث في الساحة مجرد «حرب نفسية وإعلامية» وأن احتمالات الحرب «ضعيفة»، يقول الأكاديمي الكويتي د.عبدالرضا أسيري: إن ظروف المنطقة غير مؤهلة لحرب، خصوصاً أن الجغرافيا والأهداف تختلف كثيراً عن الحروب في أفغانستان والعراق والكويت، وأن التحليلات المنطقية لجملة الخسائر تؤكد أن ما يطرح هو «حرب سياسية دبلوماسية نفسية إعلامية» ويستند هذا الفريق إلى جملة من المبررات منها: أن إيران تملك أوراقاً مهمة في المنطقة يمكن أن تؤذي الأميركيين في حالة الضربة العسكرية، كما أن القوات الأميركية أصبحت مثقلة ومنهكة في العراق وأفغانستان، و«بوش» في آخر شهوره في البيت الأبيض ويستبعد أن يقدم على مغامرة، كما لا ننسى أن المنطقة تتحكم في الوقود الحيوي للعالم وأي ضربة ستشغل اقتصادات العالم وتضيف أعباء ضخمة على المستهلكين.

أتفق مع المستبعدين لقرار الحرب، لا مع مبرراتهم الواهمة لأنها لا تصد أميركا إذا اضطرت إلى الحرب، بل مراهنة على أن ايران، اليوم، وبعد 3 عقود من الثورة، دولة مؤسسات لا يتحكم فيها فرد مغامر كما هو الحال في بعض الأنظمة العربية، وحكام إيران، اليوم، أصبحوا على درجة من «الواقعية» ما يجعلهم يجنبون بلادهم ويلات الحرب، لأنها اذا وقعت فهم الأخسرون حتماً، إذ سيفقدون السلطة ويتغير النظام السياسي لمصلحة خصومهم، ولذلك أتصور أنهم حين يجتمعون بـ«سولانا» فإن منطق «السلطة» سيعلو منطق «الإيديولوجيا»، وأولويات «المصالح» ستتقدم على ضرورات «النضال» وتمنُع إيران من قبول سلة «الجوائز» الغربية، اليوم، ما هو إلا تكتيك مرحلي من أجل حصولها على الضمانات الكافية.

حكام إيران وإن رفعوا شعارات «الموت للشيطان الأكبر»، فإنهم يدركون أن شعبهم مولع بالمنتجات والثقافة الأميركية، وأن 75% منهم مع التطبيع مع أميركا، وهم إذ يعانون أوضاعاً صعبة، فإنهم يتطلعون إلى حياة أفضل كما الخليجيين على الضفة الأخرى، ولذلك لا أتصور أن يتخذوا قراراً بالتصعيد فيزيدوا أوضاع شعوبهم سوءا.

دعونا نأمل للمنطقة، غداً أكثر إشراقاً، واقتصاداً أقوى نمواً، وأسواقاً أكثر ازدهاراً، فضرب إيران لن يحدث.

* كاتب قطري