كم كانت اللوحة رائعة أيام زمان، وتحديداً في مثل هذه الأيام من سبعينيات القرن الماضي، عندما تعانقت الأمم والشعوب والبيارق والرايات والأسماء والرموز، ومن مختلف الأديان والطوائف والمذاهب، حول محور الكفاح من الاستقلال والحرية!

Ad

في شوارع بيروت كما في غيرها من عشرات العواصم والمدن العربية والإسلامية كانت صور الإمام روح الله الموسوي الخميني ترفع في مظاهرات التأييد للشيخ الثمانيني الجليل، كيف استطاع بحنكته ولباقته ودهائه، إلى جانب حزمه المنقطع النظير، أن يحطم عرش الطاغوت الشاهنشاهي- ملك الملوك في حينها- وشرطي الاستعمار في المنطقة، وهو لا يملك يومها سوى صوته الذي كان ينقل بالكاسيت وحصيرته التي يجلس ويصلي وينام عليها، من دون أن تتطاير شظايا هذا العرش على رؤوس أو أجساد الأمة الإيرانية العريقة في إطار قومية شعبية عارمة، ولكن غير مسلحة ولا عنفية لا نظير لها في تاريخ الثورات الحديثة؟!

يومها كان أبو عمار ياسر عرفات يطلق سبع رصاصات من مسدسه الخاص من شرفة مكتبه، في ما كان يسمى بمربع الفاكهاني، حيث قيادة الثورة الفلسطينية، احتفاء وفرحاً واحتفالا مضاعفا، مرة بالقادم الجديد إلى نادي اللاعبين الإقليميين الكبار ليرد التوازن إلى معادلة العرب التي اختلت بسبب خروج مصر الحبيبة عبر معاهدة كامب ديفيد المشؤومة، ومرة ثانية ليعيد بعض الحيوية المسروقة من قضية الأمة المركزية والأولى أي فلسطين!

وكان يومها المرحوم جورج حاوي زعيم الحزب الشيوعي اللبناني يصدر تعليماته إلى كوادره ليحضروا اللافتات الخاصة، التي من خلالها ستشارك جموع أنصار الثورة الإسلامية الإيرانية في تهنئة النظام التقدمي الجديد الذي أطاح بشرطي الإمبريالية الأميركية بثورة شعبية باهرة! ويومها كان المطران هيلاريون كبوتشي وغيره من رموز لاهوت الكفاح والتحرير يستعدون للتوجه إلى طهران للمباركة للإيرانيين بانتصارهم الإنساني الفريد من نوعه! ويومها كانت العمائم السنية قبل الشيعية حتى، قد نزلت إلى الشوارع، وهي تحشد الجماهير لنصرة المجاهدين الجدد الذين دخلوا نادي الوحدة الإسلامية العريض!

ويومها لم يبق كاتب عمود مشهور أو معروف في عالم الصحافة المكتوبة، أيا كان انتماؤه العقائدي إلا رفع القبعة تحية وتمجيداً للشيخ الثمانيني الجليل على أدائه الرائع، وتحية إضافية لشعبه الشجاع والصبور!

ويومها لم تبق حركة تحرر على امتداد العالمين العربي والإسلامي، عقائدية كانت أم ليبرالية، بل حتى منظمات حركة استعادة القارة الأميركية لشعوبها الأصلية أي الهنود الحمر، إلا زاروا إيران ليتضامنوا معها، وليحيوها منتصرين لمظلوميتها ومظلومية قضاياهم التحررية العادلة!

وحدها الأنظمة المترابطة في سلسلة الحماية الاستعمارية أو المتواصلة مع بعضها بعضاً كالأواني المستطرقة هي التي ارتعدت فرائصها، وطار النوم من عينيها، ولم تستبشر خيراً مما رأت عيناها أو سمعت أذناها!

بالمقابل كانت طهران مع كل يوم يمر عليها تصبح أكثر بهاءً وأكثر تواصلا مع أهلها المرابطين الجدد على حدود العقيدة والدين، وأصدقائها الجدد المرابطين على حدود فلسطين بدائرة شعاعها الجديد!

يومها أُقفلت سفارة العدو، وافتتحت أول سفارة لفلسطين في العالم بقرار من ذلك الرجل الثمانيني الثائر والجليل، الذي لم يتردد للحظة عن القول «اليوم إيران وغداً فلسطين»!

ويومها دخل الفلسطينيون الفتحاويون إلى العاصمة الإيرانية محمولين على الأكتاف، وقطّعت كوفية الأخ هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» إلى عشرات القطع الصغيرة حتى يتبارك بها أكبر عدد ممكن من عشاق فلسطين من الإيرانيين الذين انهمرت دموعهم كالسيل!

ويومها كان مجرد إظهار بطاقة «فتح» عند أحد حواجز الثورة واللجان الثورية يجعله مشاركاً في إدارة شؤون العاصمة الثورية الجديدة! بل يومها وصل الأمر ببعض أقرب حواريي الإمام روح الموسوي الخميني، وهو حفيده من ابنه الأكبر مصطفى الخميني، إلى أن يقترح اسم الضابط اللبناني السني الثائر أحمد الخطيب ليتسلم قيادة الحرس الثوري الإيراني الجديد الولادة!

كبف حصل كل ذلك، لولا الإخلاص والنبل والطهر ونداء العدالة الإنسانية الصادق الصادر من حناجر، أذن الله لها أن تنمو وتتصل بحناجر أهل لبنان وفلسطين وسائر ديار الإسلام والمسيحيين الصادقين؟! إنها التجربة التي- رغم غبار الزمن وطوارق الحدثان- لاتزال حية وطازجة في قلوب عشاقها بكامل لوحتها الحضارية والإنسانية، رغم أنوف أرباب الفتن المتنقلة وطلاب الحروب الطائفية وعتاة الهيمنة العالميين، ورغم مرور السنين الثلاثين!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني