أبو العبد البيروتي... رحل آخذاً معه البسمة
رحل عن عمر يناهز الثمانين، الممثلُ اللبناني أحمد خليفة، المعروف بتجسيد شخصية «أبو العبد البيروتي» في برامج تلفزيونية وإذاعية وبعض الأعمال المسرحية، وذلك بعد صراع مرير مع المرض.
لمع خليفة في مسلسلات تلفزيونية عدة، منها: «المعلمة والأستاذ» مع الممثل ابراهيم مرعشلي و«الضحية» إضافة إلى أعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة. كذلك ظهر مع الأخوين رحباني في فيلم «سفر برلك». كان أبو العبد البيروتي نقيباً للاطفائيين، إذ عمل في إطفائية بيروت لسنوات، وتميّز بطربوشه الأحمر وقنبازه (العباءة) المقلّم، مع الخيزرانة التي لا تفارق يده، والتي طالما لوّح بها ليبدوَ «القبضاي» الذي لا يقف أحد في وجهه، ولا يجرؤ أحد على لمس شاربيه المقوسين صعوداً، علامة القبضايات وزعماء الشارع والمقهى والرصيف. كذلك برع أبو العبد في أداء دور «الحكواتي»، فراحَ يروي سيرة عنترة والمهلهل والزير سالم، لا سيما في الأمسيات الرمضانية على مدى عقود من الزمن. وحفظ الجمهور عبارته «ايش يا خال» التي تشير إلى حفظه حرمة محدّثه، كما هو حال أهل بيروت القدامى الذين يصونون العرض، ولا يسمحون لأي أحد بالحديث عن نساء الحي، وإلا حصلت مشاكل لا تحمد عقباها. وعلى هامش الحديث عن خليفة ينبغي التأمل في شخصية أبي العبد، إذ يصعب العثور على لبناني لا يعرف حكايات أبي العبد. فهذه الشخصية البيروتية الفولكلورية هي رفيقة رواد المطعم والمقهى والمنزل والسيارة وحتى العمل. فلا يتوانى أي منهم عن إيراد دعابة أو طرفة أو نكتة جريئة أو ساخرة بطلها «أبو العبد» الخفيف الظل وزوجته أم العبد المولعة بترتيب القصص الفكاهية، ونجله الطيب القلب عبد، وغريمه الدائم أبو صطيف (مصطفى)، وهو أيضاًً شخصية بيروتية لا تقل خفة دم عن رفيق دربه ومموّل نكاته. يكاد أبو صطيف يكون ظل «أبي العبد»، في المقهى حيث يتناولان أكواب الشاي بالجملة، ويستمتعان بـ«نفَس» النارجيلة، ويطربان لـ«كركرتها» العالية ويناديان «جمرة يا ولد». ولا تمضي لحظة بين الرجلين دون أن يتبادلا النكات والدعابات التي لا تنجو منها أم العبد ولا أم صطيف ولا حتى عبد، وإذا توقفا لعبا «الورق» أو طاولة النرد.ثمة نكات كثيرة حول هيفا وهبي، رددها الناس على لسان أبي العبد الذي باءت محاولات تحديث شخصيته وتغريبها بالفشل. أبو العبد شخصية وهمية استعملها الممثلون في أدوار مسرحية وتلفزيونية، مثلما فعل الفنان وسيم طبارة في مسرح الشانسونييه. ومن أكثر الذين قدموا هذه الشخصية الفنان محمد شبارو. يذكر أن أبا العبد البيروتي استعاد مجده أخيراً في زاوية خاصة به على الإنترنت. تروي إحدى النكات أن «أبا العبد ذهب إلى طبيب الأسنان، وقال له: يا حكيم ما في لزوم للبنج. أريد منك أن تخلع سناً واحدة فقط، فأجابه الطبيب: يا ليت كل الزبائن مثلك يا أبا العبد دلني على السن التي تؤلمك. حينها صرخ أبو العبد: يا عبد افتح فمك حتى يشتغل الحكيم». وفي نكتة أخرى: «ذهب أبو العبد وأبو صطيف إلى لندن، حيث استقلا حافلة بطبقتين. قرر أبو صطيف الجلوس في الطبقة السفلى، أما أبو العبد فجلس في الطبقة العليا. بعد وقت قصير، صاح أبو العبد منادياً رفيقه: أين أصبحتم تحت؟ فأجابه أبو صطيف: نحن قبالة قصر باكينغهام. ليعقب أبو العبد قائلاً: نحن في الطبقة العليا مازلنا مكاننا بانتظار السائق!».