طرد شبح مُـشَرَّف

نشر في 16-07-2008
آخر تحديث 16-07-2008 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت لقد أصبح بوسع باكستان اليوم أن تنهض من عثرتها السياسية، في أعقاب الانتخابات الحرة التي عقدتها أخيراً، بيد أن حالة النشوة والحبور التي أتت مع نهاية عصر مُـشَرَّف آخذة في الخفوت الآن، بفعل الخيارات القاسية التي تواجه الحكومة الجديدة. إن الديمقراطية ليست جديدة على هذه الدولة ذات الستين ربيعاً، على العكس من الحال في العراق وأفغانستان، إلا أن الانقسامات العرقية، والمؤسسات الضعيفة، والتطرف الديني من الأسباب المزمنة المؤدية إلى زعزعة الاستقرار في شمال البلاد، وبينما تحاول الحكومة الجديدة تثبيت أقدامها وترتيب أولوياتها، يتعين على الغرب، وبصورة خاصة الولايات المتحدة، أن يعيد تقييم الآثار التي خلفتها معاملاته الماضية مع باكستان.

إن رئيس وزراء باكستان الجديد يوسف جيلاني رجل سياسي مخضرم، والأهم من ذلك أن جذوره العائلية تنتمي إلى أصول صوفية، وهو فأل طيب نظراً إلى التقاليد الصوفية القائمة على التسامح. في خطاب تنصيبه أعلن جيلاني على نحو واضح لا لبس فيه أن مكافحة الإرهاب على رأس أولوياته، وكان أول قرار يتخذه بعد توليه مهام منصبه إلغاء قرارات الإقامة الجبرية التي كانت مفروضة على القضاة الذين عزلهم مُـشَرَّف، كما كان انقطاع سلسلة التفجيرات الانتحارية المروعة منذ تولت الحكومة الجديدة السلطة في البلاد من الأمور المبشرة بنفس القدر أيضاً. بيد أن شهر العسل قارب على الانتهاء، ففي مدينة مُلتان، مسقط رأس جيلاني، هاجم المتظاهرون المباني الحكومية والمصارف احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربي، ومما أثار الشكوك بشأن قدرة الحكومة على فرض القانون والنظام في البلاد، تلك الحادثة التي تعرض فيها اثنان من المعارضين السياسيين البارزين، وأحدهما وزير فيدرالي سابق في حكومة مُـشَرَّف، للجلد العلني.

حتى الآن، تَـقَبل مُـشَرَّف مكانته الجديدة المتضائلة بهدوء، رغم بعض البدائل الأخرى المتاحة أمامه. والحقيقة ان القيادة السياسية الجديدة، سواء داخل البرلمان أو خارجه، كانت حريصة على تجنب الاصطدام المباشر بالرئيس. ومن المثير للاهتمام أن يبدأ مُـشَرَّف، في خضم هذا التحول السياسي، رحلة لمدة أسبوع إلى الصين في محاولة لحمل الحكومة الصينية على الموافقة على تنفيذ مشروع تمديد خط أنابيب الغاز بين الصين والخليج، والذي من المفترض أن يمر عبر باكستان. والسؤال الأعمق الذي أثاره هذا الاقتراح هو ما إذا كان مُـشَرَّف يقصد بهذا نقل رسالة إلى الولايات المتحدة، مفادها أن أولويات باكستان قد تحولت. لا شك أن إحياء السياسات الديمقراطية في باكستان من شأنه أن يؤثر في العلاقات بين باكستان والولايات المتحدة، ويبدو أن الارتباطات بين المؤسسة العسكرية الباكستانية وأميركا مازالت راسخة، وهذا يعني أن التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة من المرجح أن يستمر، ربما مع بعض الاختلافات البسيطة في ما يتصل بالكيفية التي ينبغي لباكستان أن تشارك بها في «الحرب ضد الإرهاب». إلا أن الساسة في باكستان لا فكاك لهم من التأثر بالرأي العام الداخلي، الذي ينتقد سياسات الولايات المتحدة عموماً. بيد أن المصالح بعيدة الأمد للولايات المتحدة في المنطقة من المتوقع أن تُـخدَم على نحو أفضل إذا نجحت القوى الديمقراطية في باكستان في ترسيخ أقدامها. والحقيقة أن اقتراح زيادة مساعدات التنمية والتعليم المطروح على مجلس شيوخ الولايات المتحدة من شأنه أن يساعد في الفوز بالقلوب والعقول هناك. في الوقت نفسه، يقول الرئيس جورج دبليو بوش: «إذا كان هناك من يخطط الآن لشن هجمة أخرى على غرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فمن المرجح أن يجري التخطيط لذلك في باكستان وليس أفغانستان»، إلا أن أحداً لا يستطيع أن يجزم ما إذا كان هذا التقييم الاستخباراتي الأميركي مستنداً إلى معلومات جديرة بالثقة. وربما تكون سياسات عام الانتخابات الأميركية وراء هذا التأكيد، ولكن من الجدير بالملاحظة أن يختار بوش هذه الفترة الانتقالية في السياسة الباكستانية للإعراب عن هذه المخاوف.

يتعين على باكستان أن تتعامل مع هذه النظرة بصورة جدية، بصرف النظر عن دوافع بوش، كما يتعين على الحكومة الباكستانية الجديدة أن تتبنى خطة واضحة في التعامل مع الإرهاب. لقد شهدت الأشهر الأخيرة العشرات من التفجيرات الانتحارية وغيرها من الأنشطة الإرهابية، وهذا ثمن الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها باكستان في الماضي، فضلاً عن الأخطاء التي ارتكبها الغرب. وتشكل أفغانستان مثالاً واضحاً في هذا السياق، وكذا الفشل في تسوية وضع كشمير المعقد، إذ كان الفشل في الحالتين سبباً في تعزيز قوة الجماعات الإرهابية المحلية. يبدو أن الحكومة الباكستانية تستعد الآن لإجراء محادثات مع بعض المتطرفين في المناطق القَـبَلية، وتجهز في الوقت نفسه لتطبيق عدد من الإصلاحات السياسية، ومضاعفة جهود التنمية. إلا أن الإشارة إلى «المحادثات» تؤرق الغرب. ولقد شبَّه المسؤولون في أميركا هذه الاستراتيجية في التفاوض مع الإرهابيين، بالجولة السابقة من المفاوضات التي لم تسفر عن وقف أعمال العنف في المناطق القَبَلية.

بيد أن القيادة الجديدة تريد التمييز بين الإرهابيين المنتمين إلى تنظيم «القاعدة» وبين المحافظين الدينيين والشباب المحبطين المنتمين إلى طائفة الباشتو في باكستان. ولا شك أن النصر الذي حققه حزب «عوامي» الوطني العلماني في إقليم شمال غرب باكستان الحدودي يُعَد بمنزلة إشارة قوية إلى أن الناس هناك رفضوا القوى السياسية الدينية والعنف.

ومن الممكن أن تتسع نافذة الفرصة هذه عن طريق الحوار والمصالحة مع هؤلاء الذين أبدوا استعدادهم للتخلي عن الإرهاب وحمل السلاح. ويتعين على الحكومة الباكستانية الجديدة أن تشرح هذا للغرب سعياً إلى الاحتفاظ بدعمه لها.

كما يتعين على الولايات المتحدة في الوقت نفسه أن تتوقف عن توجيه الضربات العسكرية المباشرة إلى هذه المنطقة، حتى لو كانت تلك الضربات تتم بمعرفة المؤسسة العسكرية الباكستانية وبالتعاون معها، فمن الثابت تاريخياً أن استخدام القوة لم يجدِ نفعاً قط مع قبائل الباشتو، وليس هناك من الأدلة ما يشير إلى تغير هذه الحقيقة. هناك من الإشارات الحقيقة ما يؤكد أن الحكومة الجديدة تتمتع بصفة الشريك الجدير بالثقة في المناطق القَبَلية. ولابد من منحها الوقت الكافي حتى تتمكن من الخروج من دائرة العنف المتواصل هذه.

* حسن عباس، زميل مركز «بيلفر» للعلوم والشؤون الدولية بجامعة هارفارد

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top