جاءت الحكومة الأخيرة التي أدت يمينها الدستورية أمس غريبة في تركيبتها، وأغرب في ظروف إعلانها، فقد ضمت 12 وزيرا ممن أبدوا امتعاضهم من طريقة التعاطي السياسي مع البرلمان وقدموا استقالتهم إثر ذلك من الحكومة السابقة، إلا أنها مع ذلك تحاول تقديم نفسها على أنها حكومة جديدة، مع العلم بأن نسبة التغيير فيها لا تتعدى 20 في المئة.

Ad

الحكومة الجديدة/القديمة عليها التعامل وفقا لآليات عمل مختلفة، فسابقتها سجلت جملة سوابق، أبرزها الخضوع لمبدأ الابتزاز السياسي، إلى جانب غياب الرؤية والتراجع مع ارتفاع أول صوت نيابي تأييداً أو معارضة، وعليه فمسألة التغيير أو التحول إلى مرحلة الإنجاز لن تكون سوى أمنيات يتضمنها برنامج العمل، تماما كما الحديث عن تجاوز العقبات والانطلاق إلى مرحلة العمل، وذلك لأن خفض قاع التنازلات يرفع بالمقابل سقف المطالبات، في علاقة طردية يعرفها جيدا رجال السياسة.

من الحكومة إلى البرلمان، حيث كانت جلسة أمس واحدة من الجلسات القليلة على مستوى الفصول التشريعية الأخيرة تنوعا، واستطاع نواب الاعتدال تمرير رسائل متعددة بالتعاون مع الحكومة، أهمها أن صوت العقل بوسعه أن يعلو أمام الصراخ والاستفزاز، إذ يجب تسجيل انتصار القانون في قضية الفرعيات، وهذا لم يكن ليحدث دون وجود تحرك حكومي جاد للمرة الأولى في هذه المسألة بناحية الموافقة على رفع الحصانة عن النواب المتهمين بالمشاركة في الانتخابات القبلية الفرعية، إذ كان الموقف التاريخي للحكومات السابقة، الامتناع عن التصويت، لكن جلسة أمس شهدت للمرة الأولى موافقة حكومية على رفع الحصانة عن النواب المشاركين في الانتخابات الفرعية، وهذا يحسب للحكومة تماما مثلما يحسب للنواب الذين دعموا هذا الاتجاه.

القضية الأخرى التي أخذت الثلث الأخير من الجلسة، كانت مسألة تشكيل لجنة تحقيق في إلغاء صفقة الـ«كي. داو»، وهي القضية التي شغلت الشارع الكويتي طوال الشهرين الماضيين، بعد أن أقدمت الكويت- إثر موافقة المجلس الأعلى للبترول- على الدخول في شراكة مع شركة «داو كيميكال» العالمية للبتروكيماويات، لتأسيس شركة بتروكيماويات مناصفة بين الطرفين، ثم عادت الحكومة وتراجعت بعد ضغوط نيابية وسياسية، الشاهد في القضية برمتها النقاش الذي تخلل جلسة أمس، وهو نقاش سياسي راق، قل مثيله في الفصول التشريعية الأخيرة، خصوصا فيما يتعلق بالقضايا الخلافية، ولهذا يجب الوقوف أمام جدية الآراء التي طرحت، ما اتفق أو اختلف معه، لأن المسألة بالنهاية مرتبطة بتشكيل لجنة تحقيق لمعرفة أسباب الدخول والخروج من صفقة بمليارات الدنانير دون وجود معلومات وبيانات كافية بخصوصها.

ومع إيماني بأن ما حدث في جلسة أمس استثناء، فإن ذلك لا يقلل من الوقوف أمامه كحالة جديدة، أتمنى شخصيا أن تسود، في الممارسة السياسية، تؤكد سيادة العقل والمنطق على الصوت العالي، الذي للأسف أصبح هو القاعدة، بعد غياب طويل للعقل والمنطق والحجة في نقاشاتنا السياسية.