عمران خان: الأميركيّون يريدوننا عبيداً!

نشر في 25-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 25-11-2008 | 00:00

يؤمن الرئيس السابق لفريق الكريكت الباكستاني، الذي تحوّل إلى السياسة، أن حزبه الصغير يستطيع الفوز في الانتخابات. لكن هل يمهّد له الكلام عن مواجهة الولايات المتحدة بالسلاح السبيل لتحقيق غايته هذه؟

لو كان عمران خان الآن في الجبال لشارك في القتال، على حدّ قوله. «إذا أذت قنبلة زوجتي أو عائلتي، فسأحمل السلاح». ليقاتل مَن، الولايات المتحدة أو جنود باكستان، وطنه الذي لا يزال يطمح الى قيادته؟ من المثير للاهتمام بالتأكيد أن نسمع هذه العبارات من رجل مماثل.

يتفوّه خان بهذه الكلمات ووجهه الحاد المعالم رصين إلى أبعد الحدود: «الموقف الأميركي مفاجئ حقاً، فهم لا يريدون سوى عبيد مطيعين».

هذه ليست كلمات أحد قادة طالبان المتشددين. كان خان سابقاً شاباً عابثاً في العالم الغربي. لمع نجمه كأحد أعظم لاعبي الكريكت في التاريخ وواحد من القلائل الذين تخطت شهرتهم حدود عالم الرياضة. أحدث هذا الرياضي الوسيم ضجة كبيرة حين تخلى عن حياة العزوبية، التي لطالما استقطبت الأنظار، ليتزوج بالجميلة جميما غولدسميث، ابنة الراحل السير جيمس التي تشغل بدورها المجلات.

يحب خان التكلم أولاً عن السياسة لأنها باتت اليوم شغله الشاغل. قصد لندن ليجمع التبرعات لحزبه وليخبر الناس بالأزمة التي حلت ببلده. يقول خان: «الجيش يحارب ضد مواطني بلده. إنها حرب أهلية».

بدأت قيمة الروبية تتدنى ومُنحت الحكومة 15 مليار دولار لإنقاذها من الانهيار المالي، وهو أمر غير مقبول في أمة تحدّ أفغانستان وتملك أسلحة نووية. في هذه الأثناء، تهاجم الولايات المتحدة المناطق القبلية في المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية، التي تعتقد أنها معقل الإرهابيين. تصر أيضاً على انضمام الجيش الباكستاني إليها في هذا القتال. يقول خان بصوت عميق، صوت رجل يفترض أن الجميع يصغون إليه: «الأبرياء يموتون. ما من مبادئ أخلاقية في الحرب».

ما إن بدأنا حوارنا حتى تلقى خان تقارير عن إطلاق طائرة أميركية من دون طيار صواريخ على إحدى القرى قاتلةً ثمانية أولاد. عندئذٍ قال إن حمله السلاح سيكون مبرراً لو كان أحد أبناء هذه القرى.

والسبب؟ أخبرني خان بما حدث لزميل له يعيش في دائرته الانتخابية القريبة من المنطقة الحدودية. كان هذا الرجل مسافراً مع عائلته في السيارة، «فحلقت فوقهم مروحية عسكرية باكستانية. يعرف الجميع أن كل مَن يرى مروحية عسكرية تحلق فوق سيارته، عليه التوقف والترجّل من السيارة رافعاً يديه. عليك أن تقوم بذلك في وطنك. أتدرك معنى ذلك؟». جلسنا أثناء هذه المقابلة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، وهو مبنى كبير على ضفة نهر التايمز، لكن خان كان يفكر في ما يدور في الجبال. يتابع روايته قائلاً: «وهذا ما فعلوه. أوفقوا السيارة وخرجوا رافعين أيديهم. غير أن المروحية عادت وقصفتهم. أراني صديقي الصور. فَقَدَ ابنه البالغ ست سنوات ساقيه كلتيهما ومات أخوه وابنه».

يتمتع خان (56 عاماً) بحضور مميز وإن كان جالساً في الطرف الآخر من طاولة الاجتماعات الكبيرة. يستطرد متابعاً روايته: «قال لي زميلي: «أحب باكستان، لكن مَن ينصفني الآن؟ هل من محكمة قادرة على تعويض خسارتي؟ لا. لذلك سأحمل السلاح وأقاتل. وإلى جانب مَن سأقاتل؟ طالبان. لا أحبهم، لكنني سأنضم إليهم لأنه السبيل الوحيد لإحقاق العدالة». يتكرر هذا الأمر يومياً».

لم يكن الباشتون سابقاً من أنصار القتال المسلح ضد الغرب، على حد تعبير خان. صحيح أنهم متشددون دينياً ويعيشون حياة إقطاعية، لكنهم لا ينتمون إلى تنظيم القاعدة وقليل منهم واجه خلافات تتخطى حدود منطقته. أما الآن، فقد تعرّض هؤلاء المقاتلون الشرسون بالفطرة للاستفزاز، علماً أنهم كلهم يحملون أسلحة والانتقام يشكل جزءاً لا يتجزأ من ثقافتهم. يؤكد خان أن أعمال الولايات المتحدة أدت إلى ولادة نوع جديد من حركة طالبان. يوضح في هذا الشأن: «لا تؤدي هذه الاستراتيجيات إلا إلى تنفير الشعب، والباشتون عرق مقاتل قاوم كل مَن حاول غزوه».

يتلقى البعض الآن المال «من أشخاص يريدون تحويل المنطقة إلى فيتنام ثانية». يكمن الحل الوحيد في التحاور مع زعماء القبائل، بحسب خان الذي يسعى الى تحقيق ذلك، لكن علينا أن ننتظر لنرى مدى تأثيره. يعتبره كثيرون في باكستان شخصية ذائعة الصيت في عالم الرياضة تمارس السياسة هوايةً. لا شك في أنه من السهل الادعاء أنك تفهم ما يدفع الناس إلى حمل البنادق، لكن من الصعب جداً أن تقوم أنت بنفسك بهذا الخيار.

خطاب مملّ

لا يواجه خان اليوم فرقة من الجنود الأعداء بل حشداً من الدبلوماسيين والمحللين والمستشارين السياسيين الودودين. لكن خطابه بدا مملاً ويفتقر إلى الحيوية. عندما يعتلي خان المنبر، يفقد تلك الجاذبية والحماسة التي تشدك إليه عندما تحادثه وجهاً لوجه. لكنه يبدو مرتاحاً في بزته الغربية في لندن بقدر ما يكون مرتاحاً وهو يرتدي الثياب التقليدية في لاهور. نتيجة لذلك، يود بعض الشخصيات النافذة في الغرب أن تلقى طموحات خان السياسية النجاح. لكن محاولات الأخير تبوء بالفشل، على ما يبدو، لأنه يعجر عن إرضاء أي من العالمين.

بقي حزبه، «طريق الإنصاف»، ضعيفاً منذ تأسيسه عام 1996. حتى أن خان لم يشارك في الانتخابات العامة في شهر فبراير (شباط) الفائت، مدّعياً أن ما من ديمقراطية حرة ومنصفة ما دام الحزب الحاكم يعيّن القضاة ويتحكم فيهم. وهكذا لم يعد جزءاً من الجمعية العامة، بيد أنه لا يزال ناشطاً على الهامش أو على شاشات التلفزيون، حيث لا يقتصر ظهوره على السياسة. إذ يجني كمعلّق على مباريات الكريكت في ثلاثين يوماً ما يكفي من المال ليؤمن معيشته طيلة السنة.

أما المرأة (موظفة مصرف) التي تدير حزب خان في بريطانيا وتحمل هاتفه الخلوي، فتؤكد أنه يرتدي أخيراً سترة واقية خلال مشاركته في المناسبات العامة حيث يستطيع «أي شخص أن يطلق عليه النار». لكنه لم يكن يلبس واحدة تحت قميصه وربطة عنقه حين قابلته.

ما زال خان يتحلى بالجسم الرياضي والمشية الرشيقة اللذين ميّزاه عندما قاد باكستان إلى نجاحها الوحيد في كأس العالم عام 1992. يقول ضاحكاً: «لن يكون للسترة أي تأثير إذا فجّروك. لا تهم الاحتياطات التي تعتمدها، فهم يأخذون دوماً هذه التفاصيل في الاعتبار عندما يخططون لاغتيالك. حظيت بناظير بوتو بأهم وسائل الحماية (مرت سنة تقريباً على اغتيال غريمته بوتو خلال ترويجها لحملتها الانتخابية). كان برفقة أخيها عشرات المقاتلين. لكنّ أحداً منهم لم يحرك ساكناً، وقُتلوا جميعاً».

حدث ذلك بعيد دخول خان السجن بموجب القوانين المناهضة للإرهاب لأنه هاجم الرئيس آنذاك برويز مشرف، فقادت حملة إطلاق سراحه في بريطانيا جميما خان، التي برزت كمنسقة حملات مقنعة وواسعة الاطلاع.

مؤامرة يهوديّة

تزوج خان وجميما عام 1995، ما أتاح لبعض خصومه الادعاء أنه «جزء من المؤامرة اليهودية»، لأن والد زوجته السابقة هذه السير جايمس غولدسميث، رجل الأعمال المشهور. اهتدت جميما إلى الإسلام وانتقلت إلى إسلام أباد لتعيش مع عائلته. لكن الجهود كافة التي بذلاها لم تنجح في إسكات النقاد أو إنقاذ زواجهما، فتطلقا قبل أربع سنوات، إلا أنهما بقيا صديقين.

عندما سألته عن مكان إقامته، أجاب: «أقيم مع حماتي السابقة. فكلما قدمت إلى لندن، حللت عليها ضيفاً». تعيش الليدي أنابيل غولدسميث، التي أعطت اسمها لناد ليلي اعتاد التردد عليه، في منزل فاخر بني على الطراز الجيورجي يقع على أطراف منتزه ريتشموند. كان من المفترض أن يمضي ولداه (9 أعوام و11 عاماً) العطلة المدرسية في مزرعة خان على قمة إحدى التلال قرب إسلام أباد. لكنهما لم يسافرا «بسبب الوضع في باكستان».

اتفق الزوجان أن يزور الولدان خان في العطل المدرسية، باستثناء أسبوعين في الصيف. عن هذه المسألة يقول: «ها نحن نمضي العطلة هنا. أعتبر نفسي محظوظاً لأنه بفضل تعاوننا أنا وزوجتي وعلاقتنا الجيدة نجحنا في تطبيق هذا الاتفاق. على الرغم من ذلك، يصعب على الأولاد تقبّل طلاق والديهم».

عاش خان، وهو ابن مهندس في لاهور، طفولة مستقرة وهادئة. في لاهور ارتاد مدرسة دينية ثم قدم إلى إنكلترا ليكون طالباً مقيماً في إحدى مدارس ورشيستر قبل أن يلتحق بكلية كيبل في جامعة أكسفورد حيث درس الفلسفة والسياسة والاقتصاد. في تسعينات القرن العشرين، جدد التزامه بدين عائلته، وربى والداه على الدين الإسلامي: «أعلّمهما كل ما أستطيع. أنمّي الحس الأدبي لديهما وألقّنهما الأسس الضرورية».

يخبرني خان وابتسامة نادرة ترتسم على وجهه أن اهتمام ولديه بالكريكت بدأ ينمو تدريجاً. وافق هذه السنة على المشاركة في مباراة خيرية نظمها أخوا جميما، شرط أن يتمكن من اصطحاب ولديه معه. يقول خان عن هذه المباراة: «لم أتمكن من المشي لأيام بعدها». عندما سألتُه كم مضى من الوقت منذ أن لعب الكريكت آخر مرة، أجاب: «سنوات!».

فوز سياسي

بدت عليه علامات الارتياح عندما انتقلنا إلى التكلم عن الرياضة، على رغم أن الفوز الوحيد الذي يرغب فيه هو فوز سياسي بدا بعيد المنال. أقر خان أنه في حيرة من أمره بعد مقاطعته الانتخابات. لكنه يعتقد أن الانتخابات ستُعاد السنة المقبلة. يخبر عن حزبه: «إنه الحزب الأسرع نمواً في باكستان، وهو الأوسع انتشاراً بين السبعين مليون شاب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً». هذا مذهل فعلاً، خصوصاً أن هذا الحزب فاز قبل ست سنوات بواحد في المئة فحسب من أصوات الناخبين كافة.

على الرغم من ذلك، لا يزال خان يحظى باحترام واسع في باكستان. جمع التبرعات لتشييد أول مستشفى يُعنى بمرض السرطان (يبني مستشفى آخر الآن). كذلك افتتح في هذا البلد كلية للتكنولوجيا بالتعاون مع جامعة برادفورد وهو يتولى رئاستها. كذلك تحظى مطالبته اليوم بقضاء مستقل بدعم كبير. يذكر خان: «لي ملء الثقة بأن حزبنا سيفوز في الانتخابات المقبلة أو التي تليها».

لا يُحقق أي فوز من دون الثقة. لكن يبدو أنها تبخرت عندما طرحت عليه سؤالاً فاجأه: هل يبحث عن زوجة أخرى؟ «ماذا؟». أرخى كتفيه وراح يتأمل الطاولة برهة ثم أجاب: «لا». ولمَ لا؟ «المشكلة الأساسية التي أساءت إلى زواجي كانت حياتي والتزاماتي السياسية. لم أستطع تخصيص وقت كاف لحياتي العائلية».

تعكر مزاجه كما لو أنه شعر بالكآبة أو لا يريد التحدث عن هذا الموضوع. تابع قائلاً: «لن أتزوج ما دمت عاجزاً عن إيفاء زواجي حقه. أنا واثق مما أقوله راهناً. جدول أعمالي حافل جداً. أما أوقات فراغي القليلة فأمضيها مع أولادي. لذلك لا يندرج البحث عن زوجة في جدول أعمالي. وهل يستمر الوضع على ما هو عليه الآن؟... لا أعلم».

يملك الفائزون نظرة ثاقبة حتى لو لم يحالفهم الحظ دوماً. في المرة الأخيرة التي تعرّض فيها هذا الزعيم الباكستاني للاستخفاف، قاد بلده إلى تحقيق فوز كبير صدم العالم في آخر مباراة دولية له في مسيرته المهنية. لكن السياسة تختلف كثيراً عن الرياضة. لكن مَن عساه يخبر خان بذلك؟ وإن اخبرناه، فهو لن يصغي.

سيرة حياته

1952: ولد في لاهور بباكستان، والده مهندس، تلقى علومه في مدرسة دينية ثم

في مدرسة Royal Grammer في ورشيستر.

1971: شارك أول مرة مع فريق الكريكت الباكستاني في مباراة ضد إنكلترا في بيرمينغهام.

1972- 1975: درس الفلسفة والسياسة والاقتصاد في كلية كيبل بأكسفورد.

1982: أصبح قائد الفريق الباكستاني وهو في قمة تألقه كلاعب كريكت.

1992: قاد باكستان إلى الفوز بكأس العالم على رغم العقبات كلها في آخر يوم له كلاعب دولي.

1992: اعتزل لعب الكريكت بعد أن أصبح أعظم لاعب على الإطلاق.

1995: تزوج بجميما غولدسميث، ابنة السير جايمس. رزق بولدين، سليمان عيسى وقاسم.

1996: أسس حزبه الخاص «طريق الإنصاف».

1999: دعم انقلاب الجنرال مشرف، لكنه عاد وانتقده.

2002: انضم إلى الجمعية العامة كممثل لمنطقة ميانوالي.

2004: أعلن طلاقه.

2008: قاطع الانتخابات ودعا إلى تأسيس قضاء حر. خسر مقعده.

back to top