آخر وطن: قتل شاعر على الحدود
ذكرت إحدى وكالات الأنباء قبل أيام قليلة خبرا مفاده أن شاعرا أُردي قتيلا على يد سلاح الحدود السعودية على ما أظن.
لا أعرف ملابسات الحادثة وتفاصيلها، ولا أعرف كيف أو لماذا قتل الشاعر، كما أني لا أعرف الشاعر القتيل شخصيا - مع أن اسمه كان ضمن الخبر- إلا أنني لم أستطع لجم خيالي من التحليق «بشاعرية» المأساة! وإيحاءاتها اللامحدودة! لماذا أطلق سلاح الحدود النار على الشاعر؟! هل كان يقوم بعملية تهريب ما؟! إذا كان كذلك، فما الجديد في هذا؟! كل شاعر مُهرِّب خطِر، جميع الشعراء يقومون بتهريب رسائلهم القزحية تحت أردية قصائدهم، ويتفنون في ابتكار المخابئ التي يخبئون بها تلك الرسائل: في نبض كلمة ما، أو في ريشة جناح صورة شعرية، أو حتى أحيانا بالنقط والفواصل، وتختلف نوعية «المواد» التي يقوم الشعراء بتهريبها، منها مواد مخدرة تُذهب بعقل قارئها عن الواقع، وتمنحه واقعا بديلا يعيشه، ويفصله عن كل ما يمس حياته اليومية ،فيصبح القارئ معزولا وغير مؤثرا في واقعه الحقيقي، وهناك مواد أشد إباحية من أفلام الجنس الرخيصة، ولكن أحيانا بذكاء بلاغي يفوق جهل الرقيب، وتعرض هذه القصائد على مرأى ومسمع الجميع دون أن يحاسب الشاعر أو يقتل رميا بالرصاص، كما أن هناك مواد أكثر خطر من بعض الأسلحة الفتاكة، وتصلح هذه المواد أن تساهم في أحداث ثورة عظيمة تغير مجرى التاريخ لو أحسن استخدامها، وأيضا لم تتم محاسبة الشعراء مهربو هذا النوع من الشعر، ولم يقدموا للمحاكم الأمنية المنتشرة في أوطاننا بتهمة الخيانة العظمى،أو الإخلال بالأمن العام، كما لم توضع أسماؤهم وصورهم في النشرات الأمنية التي تحفظها الكلاب البوليسية و«البشرية» عن ظهر قلب! كما ان بعض الشعراء متخصص بتهريب مواد معينة، كالحب مثلا، أو الفتنة القبلية أو المذهبية، ومع ذلك لم تتم معاقبتهم باسم استتباب الأمن العاطفي، أو الاجتماعي، ولم يُعلّقوا من ألسنتهم على مداخل المطارات، والشوارع الرئيسية في المدن، والأزقة الضيقة ليصبحوا عبرة لمن يعتبر. أفكر كثيرا بذلك الشاعر، هل أطلق حرس الحدود النار باتجاه قلبه مباشرة، أم رأسه، أم كان إطلاق النار عشوائيا، والمهم هو أن يموت؟! وهل كان قلب الشاعر -كعادته- متصدرا بقية جسمه، متلقفا سيل الرصاص بفدائية لا يعرفها سوى تلك النوعية من القلوب؟! وهل عندما اخترقه الرصاص، هل طار مذعورا سرب من حمام، وأغاني، ومناديل موشاة بالورد؟! هل كانت هناك حبيبة تسكن قلبه عندما فجروا قلبه، وماذا فعلت تلك الحبيبة؟! هل فرت مذعورة أيضا؟! أم فضلت أن تموت في قلبه؟! وما كان لون دمه؟! هل كان أحمر؟! أم كان له لون آخر ليس بالألوان؟! ربما يكون هذا الشاعر قد اعتاد على تلقي الرصاص من غير رجال حرس الحدود، من بعض المواطنين العاديين مثلا، أو من بعض زملائه الشعراء. لا أعرف لماذا وكيف قتل ذلك الشاعر، ولكن موته كان شاعريا بحق، رحمة الله عليه.