جورجيا جسر العبور إلى نهاية العصر الإمبراطوري!

نشر في 14-08-2008
آخر تحديث 14-08-2008 | 00:00
 محمد صادق الحسيني من تلقوا دورات عسكرية في الاتحاد السوفييتي السابق ينقلون أن من بين القضايا التي يتعلمونها؛ أن على القائد العسكري الفذ الاحتفاظ دوما بحديدتين ملتهبتين جدا بجانبه على سبيل الاحتياط لإظهارهما واستخدامهما في وجه الخصم عند الحاجة، وهذا ما يفعله بوتين الآن مع خصومه المحافظين الجدد المغرورين الذين ظنوا أن بوتين قد بلع خسارة كوسوفو وتطبع على «لكمات» الغرب!

هي حرب لم تندلع من فراغ، كما أنها ليست حرب جورجية مع انفصاليي أوسيتيا أو أبخازيا، ولا حتى حرب جورجية ضد روسيا التي تريد استرجاع نفوذها على بعض القوقاز الذي تسلل إليه الأميركيون في السنوات الماضية عبر الثورات الملونة البرتقالية وغير البرتقالية!

إنها أكبر من ذلك كله بكثير، وأبعد مدى، وأعمق حتى من مجرد حروب!

إنها بداية نهاية الامبراطورية الأميركية التي ظل يحلم بها المحافظون الجدد طوال السنوات الماضية ولم يتركوا زاوية من زوايا الجهات الكونية الأربع إلا وتحرشوا بها أو دسوا أنفهم فيها!

قبل نحو عامين من الآن ألقى الرئيس الروسي السابق بوتين كلمة مهمة للغاية في اجتماع أمني غربي عقد في ميونيخ دُعيَّت إليه روسيا، كما دُعيَّت إيران، قال فيها من جملة ما قال: «إننا نسلح إيران من أجل فك الحصار عن أنفسنا... وتاليا عن أمننا القومي»!

لم يفهم الطائشون في البيت الأبيض يومها كلام بوتين جيدا، أو أنهم راهنوا على الوقت وتحولات المعادلات الدولية التي كانت لاتزال تجري بما لا تشتهي سفن روسيا في حينها لاسيما في البلقان!

لكن الذين تلقوا دورات عسكرية في الاتحاد السوفييتي السابق ينقلون أن من بين القضايا التي يتعلمونها؛ أن على القائد العسكري الفذ الاحتفاظ دوما بحديدتين ملتهبتين جدا بجانبه على سبيل الاحتياط لاظهارهما واستخدامهما في وجه الخصم عند الحاجة، وفي المواقع الضرورية، وهذا ما يفعله بوتين الآن مع خصومه المحافظين الجدد المغرورين الذين ظنوا أن بوتين قد بلع خسارة كوسوفو وتطبع على «لكمات» الغرب!

اليوم يأتي الرد قاسيا... وقاسيا جدا من جانب موسكو في القوقاز، ليس على ما فعلته واشنطن في البلقان فحسب، بل ان الحديدتين اللتين كان بوتين قد خبأهما لمثل هذه الساعة في أوسيتيا وأبخازيا ستحاول روسيا استخدامهما حتى النهاية لتلقين ليس الرئيس الأميركي الذي يستعد للرحيل درسا لن ينساه فحسب، بل ليجعل الرئيس المقبل أيضاً يحسب للألف قبل أن يفكر بأي خطوة تستفز الأمن القومي الروسي من الآن فصاعدا!

بمعنى آخر... فإن موسكو تلقفت مغامرة ديك تشيني في القوقاز بمنزلة الهدية الثمينة التي كانت تنتظرها لتبدأ رحلة الألف ميل باتجاه نهاية الحلم الامبراطوري الأميركي لحكم العالم بالأحادية القطبية!

كل شيء سيتغير من الآن فصاعدا، حتى طريقة التعامل مع الملف النووي الإيراني، والذي تعتبره روسيا كما أسلفنا بمنزلة أحد الدروع الذي تستخدمه لفك الحصار عن الدور الروسي القيادي المطلوب دوليا!

سيتم تفعيل منظمة «شنغهاي» للتعاون حتى النهاية، وهي المنظمة التي بادرت الصين إلى تشكيلها بالتعاون مع روسيا والتي ستنضم إليها الهند وباكستان وإيران كأعضاء دائمين قريبا، لتشكل نواة منظمة أمم متحدة جديدة كما تحلم بكين!

سيتم تفعيل ما تسميه روسيا بمنظمة «أوبك» الغاز التي سيكون محورها موسكو- طهران- الدوحة- كاراكاس- الجزائر!

سيتم فك الحصار رويدا رويدا عن الملف النووي الإيراني وإخراجه من ردهات مجلس الأمن الدولي ليعود إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية و...!

إنها البداية فقط البداية التي سينتهي فصلها الأول إما باعتراف دولي نهائي بأوسيتيا وأبخازيا، وإما بتغيير أنظمة الحكم في بلاد الثورات الملونة الأميركية!

وستأتي فصولها الأخرى رويدا رويدا لتسجل نهاية الأحادية الأميركية المتكسرة أصلا على أكثر من أرض، فتكون نهاية عهد بوش الامبراطوري توازي نهاية هتلر والنازية في الحرب العالمية الثانية!

في 28 نوفمبر من عام 1943 عقدت قمة عالمية مهمة بين ستالين وتشرشل وروزفلت في طهران وسميت بقمة «جسر النصر» حيث قرر الثلاثة وقتها إطاحة الشاه رضا الذي كان ميالا للعهد النازي وقتها، وفتح، ما سموه وقتها، بالجبهة الثالثة ضد ألمانيا انطلاقا من الأرض الإيرانية، فهل تتكرر اللعبة اليوم برموز وأسماء وحيثيات جديدة -انطلاقا من التغيرات التي تنتظر جورجيا في أعقاب تدخل الاتحاد الأوروبي بزعامة ساركوزي المتفهم لطموحات موسكو- لغير مصلحة ساكاشفيلي ولغير مصلحة بوش وديك تشيني؟!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني

back to top