من حق العرب أن يختلفوا مع إيران لا بل من حقهم أن يختلفوا مع بعضهم بعضا، وأن يقلقوا أحيانا على بعض ثوابتهم عندما يشعرون أنها قد تتعرض للاهتزاز لأي سبب كان، أما أن يصبح الشيعة من أبناء هذا القطر أو ذاك «خارجين عن الملة أو الدين» فهذا ما لا يجوز السكوت عنه ولا السماح به.رغم نجاح «صلح الدوحة» اللبناني والحديث المتزايد عن صلاحيته ليكون نموذجا قابلا للتعميم على الملفات العربية الخلافية الأخر،ى وفي طليعتها الملفان الفلسطيني والعراقي، فإن قرون الفتنة لاتزال بارزة على امتداد عالمنا العربي والإسلامي!
فعند باب كل قضية وعلى عتبة كل حوار يفتح من أجل إنجاز مهمات المصالحة في الملفات المذكورة الآنفة الذكر، ثمة من يتعمد في ذكر الشيعة مرة وإيران عدة مرات، وفي كل مرة يربطون الأمر إما بما يسمونه بتمدد شيعي أو توسع إيراني!
أقولها صراحة كفى وعيب ولا يجوز التمادي في هذا التحريض على أبناء البلد الواحد مرة وعلى أبناء الأمة الواحدة مرة أخرى، وأمامنا التحدي الأكبر أي التوسع والاستيطان بل الاستئصال الصهيوني الإسرائيلي ومن ورائه الهيمنة الأميركية شاخصان يمعنان في الألم والنزيف والاستباحة للعرض والشرف والدم والقومية والعقيدة، ولكل أوصال الوطن الكبير الممتد من طنجة إلى جاكارتا!
نعم من حق العرب أن يختلفوا مع إيران لا بل من حقهم أن يختلفوا مع بعضهم بعضا، وأن يقلقوا أحيانا على بعض ثوابتهم عندما يشعرون أنها قد تتعرض للاهتزاز لأي سبب كان، وأن ينتقدوا من يشاؤون ويضعوه أمام المساءلة مواطنا في بلدهم كان أم قوة سياسية أم دينية أم حزبية يظنون أن ولاءها غير مضمون للقطر الذي يعيشون فيه، كما من حقهم أن ينتقدوا إيران على رفعها هذا الشعار أو ذاك لأنه قد يربك أولوياتهم أو جدول أعمالهم أو رؤاهم في السياسة أو في الدين أو الفكر، كل ذلك يأتي في سياق المسموح من الاختلاف والتعدد في الرؤى وتصحيح المسارات... إلخ.
أما أن يصبح الشيعة من أبناء هذا القطر أو ذاك «خارجين عن الملة أو الدين» لأن من معتقداتهم طلب الشفاعة من الرسول وآل بيته أو أي فكرة لا تعجب هذا المفتي أو ذاك المفكر، أو أنهم يؤيدون المقاومة اللبنانية الإسلامية وزعيمها ويوالونها كما كان المسلمون الأوائل من أنصار المدينة يوالون قادة الجهاد من مهاجري مكة، فهذا ما لا يجوز السكوت عنه ولا السماح به لأنه يهدم البيت على أبنائه جميعا، ولن يخرج أحد سالما من هذا النزاع!
الشيء نفسه وبنفس الحجم والمدى والقوة ينطبق على من يريد أو يحاول تكفير السنّة من أبناء هذا القطر أو ذاك لأنهم يوالون ويناصرون المقاومة الإسلامية العراقية الشريفة مثلا، ويحاول ربط هذا الموضوع بصراعات سياسية أو خلافات بين دولة عربية وأخرى أو عربية وأخرى إسلامية!
لا تقربوا عقائد الناس أو معتقداتهم وأنتم تعملون في الشأن العام وفي هذه اللحظة التاريخية بالذات لأن الأمر سرعان ما يرتد على صاحبه، ويشعل فتنة لا تنطفئ، ويدوم أُوارها إلى قيام الساعة والعياذ بالله، ولا تخدم إلا العدو الصهيوني المتربص بنا جميعا سنّة وشيعة، بل مسلمين ومسيحيين وشرقيين على السواء!
وأما في باب إيران بالذات فيا أصحاب الفتاوى أو الأقلام أو المنابر أقولها لكم وبصراحة إن ذنب إيران الأساسي ربما أنها حملت راية... تخلى عنها آخرون أو وضعوها جانبا!
نعم قد تكون إيران غير موفقة تماما في ما هي مقدمة عليه أو غير موفقة تماما في ما هي منتقدة له، لكننا جميعا الآن نركب سفينة واحدة ولا يظننّ أحد أن بإمكانه أن يصل إلى بر الأمان من خلال إغراق إيران أو إنزالها من السفينة، فإما أن ننجو سوياً أو نغرق جميعاً، هذا هو قدرنا ومن لا يذعن سيفوته القطار ومن يتخلف عن «الفتح» لن يلوم إلا نفسه!
أمامنا فرصة ذهبية أن يكون حكام إيران من المسلمين المجاهدين الصادقين ومن حاملي راية الدفاع عن فلسطين وقضايا العرب، فلا نضيعها بالانحراف عن البوصلة التي لا تشير إلا إلى العدو الرئيسي المتربص بنا السوء!
وقديما قال الشاعر والمناضل العراقي الكبير مظفر النواب شافاه الله وهو يشرح مخاطر وجنون وعبثية الحرب العراقية على إيران:
بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة...
حطموها على قحف أصحابها!
* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني