موسم الهجرة إلى دمشق وطهران!
ثمة تحول أميركي محسوس وإن كان مرتبكاً وغير واثق الخطوات، يجري باتجاه كل من سورية وإيران، يقدم في الواقع إضافات جديدة في قناعتنا بأن الأميركيين باتوا في تراجع على أكثر من صعيد، ومستوى عالمي وإقليمي لا يمكن وقفه من دون الإذعان بأهمية كل من دمشق وطهران! فإذا كانت الوفود الأميركية تسير تترى باتجاه عاصمة الأمويين التاريخية طلباً لملاذ يخلصها من ورطة إخفاقاتها المتكررة في طروحات ما بات يعرف بالسلام العربي-الإسرائيلي، فإن العواصم الأوروبية والآسيوية تتزاحم في حركة سفراء واشنطن، وهم يبحثون عن فرصة للقاء مسؤول إيراني هنا أو هناك، وهم يبحثون عن قواسم مشتركة محتملة في عراق ما بعد عصر بوش، علها تمكنهم من انسحاب يحفظ بعض ما تبقى من ماء وجههم هناك، ويمنع انقلابا فاضحا من جانب النخبة العراقية ضدهم بعد أن ودعهم الرأي العام الأميركي ممثلاً برشقة حذاء الزيدي المعبرة!رئيسة الدبلوماسية الأميركية التي أرادت يوماً، وهي في زمن التسابق مع زميلها الديمقراطي الحالي باراك أوباما على كرسي الرئاسة أن «تمحو طهران عن الخريطة في حال تعرضت فيه إسرائيل للخطر» تفتّق ذهنها أخيراً أن تطلب من سفيرها في أفغانستان أن يجتمع بالسفير الإيراني في كابول لعله المكان المناسب برأيها، وهي التي تعرف إذا كانت قارئة جيدة للتاريخ بأن أفغانستان لم تستقر يوماً عبر التاريخ دون تفاهمات مع طهران، ولما كانت أولوية الرئيس الجديد التركيز على الساحة الأفغانية وترك العراق رويداً رويداً فإن المطلوب بالتالي نقل ثقل المحادثات مع اللاعب الأساسي في الجبهتين إلى كابول بدلاً من بغداد!
لكن ذلك لم يمنع وزراء دفاع أميركيين سابقين من البحث عن قنوات موازية وعن فرص للاجتماع مع مستشارين كبار للرئيس أحمدي نجاد، كما تحدثت الكثير من التقارير الصحافية عن اجتماع لوزير دفاع من أيام عهد الرئيس كلينتون مع علي هاشمي كبير مستشاري الرئيس الإيراني في إحدى العواصم الأوروبية لعلها روما!وإذا ما أضفنا اجتماعات مؤتمر ميونيخ الأمنية بامتياز، التي حضرها من الجانب الأميركي جوزيف بايدن ووزير دفاع أوباما وعدد من المسؤولين في الإدارة الأميركية، وانتبهنا إلى ما تطالعنا به الصحافة الإيرانية المحلية الآن من زيارة مهمة للرئيس الألماني السابق غرهارد شرويدر إلى إيران، وابتداء اجتماعاته بالسيد علي لاريجاني فإننا قد نحدس دوراً ألمانياً وسيطاً ما في هذا الغزل الأميركي «اللدود»!سولانا هو الآخر لم يرد أن يبقى خارج دائرة الحراك الدبلوماسي في هذا السياق، إذ قرأنا له تصريحات ملفتة، مفادها أننا أمام مرحلة جديدة ومختلفة من التعامل مع طهران كما نقلت الصحافة الإيرانية المحلية خلال اليومين الماضيين! ليس هذا نهاية المطاف ولن يكون، فالثعلب الكردي العراقي المخضرم في علاقاته الدولية والإقليمية الذي يشغل منصب رئيس جمهورية العراق الجديد الآن، والذي لطالما كشف دوره الوسيط في الحوارات الأميركية الإيرانية المتعددة أي السيد جلال الطالباني، يتفاخر ويتباهى هذه الأيام بأنه سيكون- قريباً جداً- مضيفاً لرئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني أكبر هاشمي رفسنجاني والذي لا يقل إثارة للجدل في الأدوار التاريخية التي لعبها ولايزال في دبلوماسية الثعلب والذئب مع «الشيطان الأكبر» الأميركي على امتداد العقود الثلاثة الماضية من عمر الثورة الإيرانية! وأخيراً وليس آخراً فإن شركة توتال الفرنسية، وبعد توقف دام سنوات، استأنفت نشاطها قبل أيام مع طهران من خلال التوقيع على عقد للعمل في إحدى تشعبات حقل غاز بارس الجنوبي الضخم!أيضا فإن هذه ليست نهاية القصة ولا الرواية، فالأمر قد يكون في بداياته ولا يستغرب المراقبون بأن تفاجئ الإدارتان الأميركية والإيرانية ناظريهما ومتتبعي حركاتهما السرية والعلنية بالإعلان عن فتح مكتب لرعاية المصالح الأميركية في طهران، وآخر للإيرانيين في واشنطن، وهو ما لم تتجرأ عليه إدارة بوش المتهاوية في أواخر أيامها، وربما لم ترده طهران أحمدي نجاد في حينه في الوقت الذي هي بحاجة إليه الآن في خضم السياق الانتخابي الرئاسي الإيراني المحموم!لن يعني كل هذا بالتأكيد أن شهر العسل قد بدأ أو قد يبدأ بين طهران وواشنطن، وكذلك هو الأمر في حالة واشنطن ودمشق، لكنه يحمل دلالة مهمة من شقين:الشق الأول أن أميركا قد ضعفت ووهنت، وباتت مجبرة على الإذعان لدور هاتين العاصمتين الأساسي في لعبة الأمم، كما أوصت لجنة بيكر-هاميلتون سابقاً، كما في الخريطة الدولية التي تتشكل من جديد على طموحات و أنقاض الإمبراطورية الأميركية البوشية الحالمة!والشق الثاني وهو أن دمشق وطهران لم تعودا لاعبين منفردين لهما مشاكل ثنائية مع الولايات المتحدة الأميركية أو مع المجتمع الدولي، بقدر ما أثبتت الوقائع والأحداث الكبرى في بلادنا بأن ثمة «معسكراً» أو تحالفاً راهَنَ على خيار الممانعة والمقاومة في كل تلك السنين العجاف بصبر استراتيجي وحنكة ودهاء يكتب له، وها هو يغتنم لحظة موسم القطاف!* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيرني