يبدو أن المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية باراك أوباما متفائل جداً عندما يَعِدُ بأنه سيحسن صورة الولايات المتحدة الخارجية إن هو فاز في هذه الانتخابات. فالمسألة على هذا الصعيد ليست حذلقة ولا شطارة ولا فهلوة وخفة ظل، إنها مسألة سياسات ووقائع غدت ثابتة ومن غير الممكن تغييرها إلا إذا تغيرت نظرة الأميركيين الى هذه المنطقة وأهلها ليس في عهد بوش الابن ولا في عهد والده «العزيز»، وإنما منذ بدايات القرن الماضي.

Ad

مرةٌ واحدة فقط بدت فيها الولايات المتحدة وكأنها تقف مع الحق. وهذا كان في عام 1956 عندما وقع العدوان الثلاثي على مصر، إسرائيل وفرنسا وبريطانيا، حين انحاز الرئيس دوايت إيزنهاور ضد هذه الدول الثلاث، واصطف إلى جانب الاتحاد السوفييتي في دعم عبدالناصر وذلك مع أن الدول المذكورة كلها كانت حليفة لبلاده وتأتي في إطار المعسكر الغربي الرأسمالي الذي تقوده أميركا.

كان هناك سببان لوقفة الحق هذه هما: أولاً، عدم ترك الاتحاد السوفييتي ينفرد بالرأي العام العربي والإسلامي، الذي كان في ذروة الاندفاع للوقوف إلى جانب مصر واعتبار العدوان عليها عدواناً على الدول العربية والإسلامية كلها. ثانياً، لأن الولايات المتحدة كانت قد بدأت عملية «تطهير» هذه المنطقة ومعها إفريقيا والعالم كله من الاستعمار القديم والحلول محله تمهيداً لفرض نفسها قطباً وحيداً في الكرة الأرضية، وهذا ما تحقق بصورة نهائية في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

ربما يكون أوباما صادقاً في رغبته هذه ونواياه، لكن المعروف أنه في مثل هذه الأمور المتداخلة والمعقدة لا تنفع لا الرغبات ولا النوايا الحسنة. فالصورة الأميركية التي يريد المرشح الديمقراطي تحسينها، إن هو فاز في الانتخابات الرئاسية، غدت في غاية البشاعة في العالم بأسره، وبات تحسينها يحتاج إلى تغيير منهجي في النظرة الأميركية إلى هذه المنطقة وأهلها وحضارتها وثقافتها ودينها وعاداتها وتقاليدها.

إن المشكلة لا تكمن في تصرفات رئيس جمهوري ولا في أخطاء رئيس ديمقراطي، إنها تكمن في أن النظرة الأميركية إلى هذا الشرق كانت، ولاتزال، تتم عبر تقارير وكتابات المستشرقين الذين بدأوا يتوافدون إلى هذا الشرق بعد أن أصبحت الإمبراطورية العثمانية رجلاً مريضاً، وأخذت الدول الأوروبية، بريطانيا وفرنسا على وجه التحديد، تحضِّر نفسها لوراثة هذا الرجل المريض الذي كان قبل أن يتسرب المرض إلى أوصاله قد وصل شاهراً سيفه إلى فيينا في قلب القارة الأوروبية.

إن هذا الشرق لايزال في مخيلة الأميركيين، حتى بعد أن غدوا جزءاً من هذه المنطقة بعد احتلال العراق، مجرد مجموعات من القطعان البشرية، ومن الناس الخاملين، ومجرد فسقٍ وفجور واستبداد وكبت واضطهاد ونفط وصفقات تسليح وهمية... وهذا كان يرد في تقارير ضباط الاستخبارات الذين جاءوا على هيئة مستشرقين وعلماء آثار واجتماع منذ «الحشاشين». كما أنهم ينظرون الآن إلى الشرق بوصفه مستودعاً للإرهاب، لذلك فإنه لا يجوز التعامل معه إلا بالقوة، وعلى الغرب أن يُدخلَ «الديمقراطية» إليه رغم أنفه وبوسائل التخويف والترهيب كلها.

لذلك فإن أوباما حتى إن كان صادقاً بالنسبة لما وعد به، وحتى إن هو فاز في انتخابات الرئاسة الأميركية، فإنه لن يستطيع أن يفعل شيئاً. فإذا أراد أن يفعل شيئاً لتحسين صورة بلاده في الشرق الأوسط فإن عليه أن يغير نظرة الأميركيين إلى هذه المنطقة، وعليه كذلك أن ينتـزع من خيالهم ما قرؤوه في تقارير ضباط الاستخبارات الغربيين الذين بدأوا يتوافدون إلى هذا الجزء من العالم بعد اعتلال الامبراطورية العثمانية تمهيداً لتقاسم تركتها!

* كاتب وسياسي أردني