Ad

ما نراه اليوم من إسفاف بعضهم، سواء في الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية أو في القنوات الفضائية، وتطاوله ببذاءة على النواب الثلاثة مقدمي الاستجواب، د.وليد الطبطبائي ومحمد هايف وعبدالله البرغش، هو انحدار خالص يتعارض تماما مع كل القيم التي تقوم عليها دولتنا منذ ظهور الدستور.

المقولة الخالدة التي تنسب للمفكر الفرنسي الشهير فولتير (قد أختلف مع ما تقول، ولكنني سأبذل حياتي لأجل أن تقوله)، تجسد واحداً من أسمى معاني الديمقراطية الذي هو حرية التعبير. هذا المعنى السامي هو محل اختبار حقيقي هذه الأيام في ظل أزمة استجواب رئيس الوزراء، ودخول الجميع إلى حلبة «مع» و«ضد»، أعني مع الاستجواب أو ضده.

حق النواب في تقديم استجواب رئيس الوزراء هو حق دستوري أصيل، وهو الحق الذي كان سيمارسه النواب إن آجلا أو عاجلا، سواء في هذا البرلمان أو في برلمانات قادمة من عمر الديمقراطية الكويتية، وبالرغم من كوني واقفاً في خانة معارضي الاستجواب انطلاقاً من قناعتي بعدم جدواه على صعيد دفع الأمور المتأزمة إلى الأمام بل تأزيمها أكثر، ومن كونه يقوم على محاور فضفاضة تعلوها الشبهات الدستورية، وقبل ذلك بسبب تبعاته الطائفية، فإنني أرى في النهاية أن النواب الثلاثة لم يأتوا بمنكر دستوري، ولم يقترفوا جريمة في حق الممارسة الديمقراطية.

نعم، من حقنا نحن المعارضين للاستجواب أن نكتب ضده، وأن نبين ضعفه، وعدم جدواه، وسلبياته وتبعاته، بل من حقنا أن نعمل على حشد الرأي الشعبي لمعارضته ورفضه، لكن في المقابل فمن حق النواب الثلاثة كذلك أن يمارسوا حقهم الدستوري وأن يعملوا على حشد الرأي المؤيد لمسعاهم هذا، شريطة أن يبقى كل ذلك في دائرة الممارسة الديمقراطية الصحيحة، وعلى أن يظل الجميع في إطار السجال السياسي القائم على احترام كل طرف للآخر.

ما نراه اليوم من إسفاف بعضهم، سواء في الصحافة المكتوبة أو الإلكترونية أو في القنوات الفضائية، وتطاوله ببذاءة على النواب الثلاثة مقدمي الاستجواب، د. وليد الطبطبائي ومحمد هايف وعبدالله البرغش، هو انحدار خالص يتعارض تماما مع كل القيم التي تقوم عليها دولتنا منذ ظهور الدستور، وحتى قبل ذلك. وهؤلاء الذين يمارسون هذا الإسفاف إنما يكشفون في حقيقة الأمر عن سوء طويتهم تجاه الممارسة الدستورية برمتها، وعن بعدهم عن الديمقراطية السليمة، ناهيك عن مفارقتهم لمبادئ الاحترام وقيم الأخلاق.

وبالإضافة إلى هذا فإننا جميعاً نرفض أن نقبل المقولات التي يحاول بعضهم أن يشيعها بأن هناك أيادي حكومية تقف خلف هذه الممارسات، لأننا نعرف نبل أخلاق رئيس مجلس الوزراء، وسعة صدره وطيب معدنه، ولعلها من الأسباب التي جعلته أصلا يكون في هذا المقام، أعني مقام من يتعرض للاستجواب.

كلنا يعلم بأن السجال السياسي دورات وأيام، يوم لك ويوم عليك، فإن قبلنا ما يقال عن هؤلاء النواب اليوم لمجرد أننا اختلفنا معهم، فسرعان ما ستدور العجلة لنجدنا وقد صرنا في نفس موقعهم.

إن هذا الشذوذ الأخلاقي مرفوض، وعلينا جميعا، من معارضي الاستجواب قبل مؤيديه، أن نرفضه ونحاربه.

***

من مقولات فولتير الرائعة الأخرى «لا تحكم على الناس من إجاباتهم، إنما من الأسئلة التي يطرحونها». تذكرني هذه المقولة بقصة الإمام أبي حنيفة رحمه الله، عندما جاءه ذلك الرجل المهيب الثياب، فأكبره، فإذا به يسأله: إذا كان الناس في الحج، ودخل عليهم رمضان فهل يصومون؟!