المعارضة والموالاة (2)
الحالة الضبابية بين مفهومي المعارضة السياسية والموالاة يعود سببها إلى فلسفة وطريقة التشكيل الحكومي، فمن جهة يحاول رئيس الوزراء المكلف باختيار أعضاء وزارته على أساس كسب بعض التيارات السياسية إضافة إلى بعض القوى الاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما لا يمكن تحقيقه نظراً للتنوع الكبير في مكونات الشعب الكويتي، إلى جانب غياب الاستراتيجية العامة لعمل الحكومة خلال مدتها المحددة في الدستور بأربع سنوات.وفي المقابل فإن الجهات الراغبة في الدخول إلى الوزارة تعلم مسبقاً بأن دورها في إعداد وتنفيذ ومتابعة السياسة العامة للدولة محدود جداً، ولذلك فإن مشاركتها في الحكومة لا تتعدى أحد أمرين فإما بيان ثقلها السياسي على الساحة أو رغبتها في وزارات معينة لاهتمامات وأجندات خاصة. والنتيجة هي أن معظم الوزراء يتفرغون لتحريك المواقع المهمة في الجهات التابعة لهم من خلال التعيينات في الوظائف الوسطى والعليا، وفي أحسن الأحوال قد ينجحون في إعداد رؤية مستقبلية لكل وزارة على حدة على ضوء أطروحاتهم الخاصة، والخلفيات التي جاؤوا منها، ولهذا نجد أن برنامج الوزارة الفلانية يحمل الصبغة الدينية وبرنامج الوزارة العلانية يحمل اللون الليبرالي والوزارة الثالثة تدار وفق النكهة القبلية أو المذهبية، وتنعدم خطوط الالتقاء العليا بين هذه الوزارات في إطار المصلحة الوطنية العامة.
وهذا النوع من التشكيل الحكومي قد يضع كلا من رئيس الوزراء والوزراء في إحراجات سياسية في حالة طرح قضايا مصيرية، قد يكون للوزراء وامتدادهم البرلماني أو حتى الشعبي رأي مخالف فيها، فلا يتحمسون للدفاع عنها أو يعملون على إجهاضها بسبب الضغوط عليهم من داخل أوساطهم، ولهذا أيضاً مازال الكثيرون من عامة الناس، وحتى أصحاب الرأي، يعتبرون الوزراء «محرقة» خصوصاً لبعض الشخصيات التي عرفت بمواقفها المعارضة للكثير من الرؤى الحكومية في السابق. وقد تكون الحكومة المثالية حلماً بعيد المنال في ظل غياب النظام السياسي الحزبي وترسخ الثقافة التقليدية، وأسلوب المحاصصة في تشكيل الحكومات على مدى سنوات طويلة وبعقلية وإدارة متشابهة إلى حد كبير، وفي ظل التنوع الكبير والتباين الحاد داخل مجلس الأمة إضافة إلى ضغط الشارع بسبب تردي الكثير من الخدمات العامة ودرجة الإحباط في معظم الأوساط، ولكن هذا لا يعني الاستسلام لمثل هذا الأمر الواقع أو عدم القدرة على تأسيس وزارة جديدة أكثر واقعية وأقرب إلى النجاح إذا ما روعي في تشكيلها جملة من العوامل منها التأني في اختيار أعضاء الوزارة، ولعل مدة الشهرين تعتبر فترة أكثر من كافية للتدبر وحسن الاختيار، بعد قبول استقالة الحكومة، والعامل الآخر يتمثل في انتقاء ما يعرف برجالات الدولة أي ممن يتمتعون برؤية شاملة سياسياً وتنموياً ويدركون بالفعل إلى أين يجب أن توجه الدولة، على الأقل في الخطوط والعناوين الرئيسة.ومن مقتضيات الحكومة الناجحة أيضاً المشاورات الجادة بين رئيس الوزراء ومجلس الأمة في المعايير التي يجب أن تتمتع بها الحكومة، وكل عضو فيها فرداً فرداً بعيداً عن المجاملات والصفقات، ويكون من الخطوات الجريئة في هذا المجال أن يعرض رئيس الوزراء أسماء جميع وزرائه على المجلس قبل إعلانهم رسمياً ليضمن أغلبية مريحة توفر له الاستقرار والديمومة حتى نهاية الفصل التشريعي.وأخيراً، أن يعرض برنامج عمل الحكومة بتفاصيلها على كل وزير مرشح ليقبل المنصب بدراية كاملة، ويتعهد بتطبيق مبدأ التضامن الوزاري، وبموافقة تياره أو قواعده الشعبية.وهنا قد نكون أمام صورة أوضح للموالاة والمعارضة، ولتستمر المعارضة التي لا تقتل هذا النموذج بطرح آرائها ومواقفها للشعب الكويتي تمهيداً للانتخابات القادمة.