قضية سحب الجنسية من خمس أسر حصلت عليها تشعرنا بالغثيان والخوف مما وصلناه من فوضى إدارية وعبث سياسي، ولكنها فرصة لإعادة النظر في قانون الجنسية الصادر عام 1959، خصوصا في مادتيه (13) و(14) اللتين أجازتا للحكومة إسقاط الجنسية عن المواطن أو سحبها من المتجنس بمرسوم دون الرجوع لأي جهة أخرى أو إجراء قضائي.

Ad

ترمز الجنسية إلى هوية الإنسان ووطنيته وإنتمائه وولائه وكرامته، لذلك فالتعامل مع منحها أو إسقاطها يجب ألا يكون موضع شك، ويجب أن تؤخذ به جميع الاحتياطات القانونية والأدبية والإنسانية حتى لا تجور الدولة على أفرادها أو العكس. إن ترك سلطة إسقاط الجنسية أو سحبها في يد مجلس الوزراء منفرداً لا يتوافر فيه الحد الأدنى لتلك الضمانات لصاحب الجنسية، فقرارات مجلس الوزراء بطبيعتها تحمل أبعاداً سياسية بالإضافة إلى جوانبها القانونية والفنية، وقد يقع مواطن ضحية الصراع السياسي بين الحكومة ومجلس الأمة، أو المساومات بين أعضاء السلطتين، أو تصفية الحسابات بين السلطة والمعارضة، أو مجرد سوء تدبير من الحكومة، فحكومة عاجزة عن توفير كهرباء كافية وإيداع خمسين دينارا في حسابات موظفيها، كيف لأحد أن يثق بمهنيتها وموضوعيتها في التعامل مع قضية بحساسية منح الجنسية أو إسقاطها؟

ما دمنا في دولة مؤسسات، والدستور كفل لكل فرد حق الدفاع عن نفسه، فيجب أن يكون للقضاء دور في تقرير إسقاط الجنسية أو سحبها، فبينما ينعم متجاوز الإشارة الحمراء في الشارع بحق اللجوء إلى القضاء للدفاع عن نفسه، لابد من أن ينعم بالحق نفسه من يراد إسقاط جنسيته أو سحبها، كونه متهما ضمنياً بعدم الولاء والانتماء للكويت، حتى لا يتكرر لدينا سيناريو إسقاط الجنسية عن مواطن وما يتبعها من «بهدلة» لأسرته كما تم مع سليمان بوغيث دون حتى سماع دفاعه عن نفسه، أو ما تم الآن مع الأسر الخمس نتيجة تخبط حكومي ومساومة سياسية رخيصة.

واضح أن هناك استياءً نيابيا حيال الطريقة التي سحبت بها الحكومة الجنسية، وبدلاً من الطنطنة في الصحف فليقترح النواب تعديل قانون الجنسية بحيث يلزم الحكومة باللجوء إلى القضاء لإثبات عدم أحقية مواطن بجنسيته، ويعطى المواطن حق الدفاع عن نفسه أمام القضاء، بدلاً من ترك القرار رهين مزاج أعضاء الحكومة، فما الذي يحفظ حقي وحقك لو كنت خصماً سياسياً لأي رئيس وزراء مثلاً، واستيقظ الرئيس من نومه يوم اجتماع مجلس الوزراء بمزاج متعكر و«بطنه يعوره»؟

أخيراً، ما بين منح الجنسية لتلك الأسر وسحبها وقع خطأ ما، ولكل خطأ مسؤول عنه. لقد استبسل وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد بالدفاع عن أحقية أحد الحاصلين على الجنسية بها، والآن أقرت الحكومة بأنه لم يكن يستحقها. إذن من الحصافة والحس السياسي أن يتنحى الوزير كونه أثبت عدم أهليته للقيام بأهم مسؤولياته كالتدقيق في القيود الأمنية لطالبي الجنسية. وإن لم يكن لدى الوزير حصافة أو حس سياسي، فإن على رئيس الحكومة أن يقيله، أو أن ينحيه مجلس الأمة، فما حصل خطيئة لا تغتفر بحق أفراد وبلد.

Dessert

أقدر لجوء النائبين أحمد المليفي وحسين القلاف وغيرهما لمصادرهم في استقصاء المعلومات لتدعيم وجهات نظرهم، ولكن دعونا لا نغفل أن للناس كرامتها وخصوصيتها ولا يجب التشهير بها بنشر الأسماء والتفاصيل الخاصة، كما لا يجب الاستخفاف بالأسرار الأمنية للدولة، فنقاش هذه القضايا يتم في اللجان المختصة التي تحفظ للناس كرامتها وللدولة أسرارها، وليس على شاشات الفضائيات.