تحرير تاريخي للمرأة العراقية في كردستان
إن إقليم كردستان العراق، يسير بخطى واسعة نحو الحرية والديمقراطية وأسرع مما يسير بقية العراق، ولعل ما مكّن هذا الإقليم من هذا السير الحثيث نحو الحرية والديمقراطية، هو الأمن والاستقرار، الذي وفره مسؤولو هذا الإقليم. -1-
تعاني المرأة العراقية هضما في حقوقها، كبقية النساء العربيات في العالم العربي، ما عدا تونس والمغرب، ففي بقية البلدان العربية، تدهور وضع المرأة الاجتماعي والسياسي خصوصا، وعادت المرأة العربية خطوات كثيرة إلى الوراء، صحيح أن المرأة العربية أصبحت محامية، وقاضية، ووزيرة، وسفيرة، وعالمة في شتى أنواع العلوم، واقتصادية، وسيدة أعمال، إلا أن هذه النماذج من النساء العربيات هي الاستثناء وليس القاعدة، فالقاعدة من النساء العربيات مهضومة حقوقها، ومحرومة من التعليم. فقد بلغ معدل نسبة النساء الأميّات في العالم 60 في المئة، وعادت أغلبية النساء إلى الحجاب والنقاب، خصوصا في مصر البلد التي ظهر فيها قاسم أمين محرر المرأة المصرية، وهدى الشعراوي أول امرأة في مصر تخلع الحجاب، الذي أثبت الشيخ جمال البنا في كتابه «الحجاب» الذي أصدرته رابطة العقلانيين العرب في باريس، أن الحجاب ليس من الإسلام، وليس من الدين. وفي رأيي أن الحجاب عادة اجتماعية، ظهرت في الجزيرة العربية أولاً. ولبسها الرجال (الغُترة والعقال) كما لبستها النساء. وكما أن الرجل الخليجي لا يكشف عن رأسه إلا عندما يسافر إلى خارج بلده، فكذلك معظم النساء الخليجيات لا يكشفن عن رؤوسهن إلا عندما يسافرن إلى الخارج. -2-واليوم، يقوم إقليم كردستان بتحرير المرأة الكردية العراقية من القيود، التي أدمت ساعديها وقدميها، وربما قتلتها كذلك، وتشير تقارير إعلامية إلى مقتل 12500 امرأة بين عامي 1991 و2007، لأسباب تتعلق بالشرف، أو انتحاراً في المحافظات الكردية الثلاث: إربيل، والسليمانية، ودهوك، ولكن قانون الأحوال الشخصية الجديد في كردستان العراق، الذي نحن بصدده الآن، جاء مكملاً لمسيرة المرأة الكردية، من حيث إن المرأة الكردية تشارك الآن، في حكومة إقليم كردستان بثلاث حقائب من بين 42 وزيراً، كما تشغل 28 من مقاعد البرلمان البالغ عددها 111 مقعداً، وصدور «مجلة الأحوال الشخصية» الجديدة في كردستان، جاء على غرار ما صدر في تونس عام 1956، والذي أصبح بعدها الحبيب بورقيبة محرر المرأة التونسية أهم من قاسم أمين، وأهم من هدى الشعراوي، وأهم من كل الذين نادوا بتحرير المرأة العربية على الورق وعلى المنابر الخطابية، وعلى غرار ما صدر في المغرب عام 2004، من «مدونة الأحوال الشخصية»، وأدى إلى إطلاق إصلاحات حقيقية، تعلقت بالمساواة بين الرجل والمرأة، في ما يخصُّ سن الزواج المحدد في 18 سنة، وبالطلاق الذي جرى تعريفه على أنه فسخ لروابط الزواج القائمة بين الزوج والزوجة تحت المراقبة القضائية، ووفقا للشروط القانونية، التي تخصُّ كلا الطرفين، كما أدخلت السلطات العامة كذلك مبدأ الطلاق التوافقي، تحت مراقبة القاضي.وبهذا أصبح محمد السادس من محرري المرأة العربية في المغرب، ويذكر اسمه دائماً في هذا الشأن، بالمقارنة مع الزعيم الحبيب بورقيبة. وبصدور «مجلة الأحوال الشخصية» في إقليم كردستان، ضمن الرئيس مسعود برزاني الانضمام إلى قائمة محرري المرأة في الشرق الأوسط، جنباً إلى جنب مع الحبيب بورقيبة، والملك محمد السادس. وهكذا كما نقول دائماً، فإن الليبرالية تحتاج إلى قرار سياسي، وإلى زعيم سياسي يتبنى مبادئها، وإلا ظلت حبراً على ورق في المنتديات والمؤتمرات الثقافية، وخطباً فوق منابر هذه المنتديات.-3-وبالأمس قام زعيم إقليم كردستان، الرئيس مسعود البرزاني بتحرير المرأة الكردية، حين أقرَّ الإقليم «مجلة الأحوال الشخصية» للمرأة الكردية العراقية، التي نأمل من الحكومة المركزية ببغداد تبني هذه القوانين، وتعميمها على المحافظات العراقية كافة. ونصَّت «مجلة الأحوال الشخصية» الكردية الجديدة على إعطاء العصمة للمرأة في المحاكم إذا طلبت ذلك، وقبول شهادة المرأة إلى جانب الرجل لدى عقد القران، وجعل سن الزواج ستة عشر عاماً، مع إعطاء حق الولاية للمرأة عند فقدانها زوجها، بغية منع تدخل أقاربه في تزويج بناتها. كما أن هذا القانون يمنع الزواج لأكثر من مرة واحدة، ويضع قيوداً على تعدد الزوجات. وقالت ليزا نيسان رئيسة «التجمع النسوي العراقي» في هذا الصدد: «إن برلمان إقليم كردستان أكثر تطوراً، وأكثر خبرة من برلمان العراق، وهذا الشيء يجب أن نُقرَّ به»، مشيرة إلى أن القانون الصادر من برلمان كردستان «فيه الكثير من الإيجابيات، التي تصب في مصلحة المرأة، وأهمها إنهاء العنف على المرأة، والتمييز بينها وبين الرجل» . وقالت الناشطة: «نحن كنساء لا نريد أن يكون هناك منفذ في القانون، أو خرق، يُستغل ضد حقوق المرأة، ونحن نتمنى من البرلمانيات العراقيات محاولة طرح هذا المشروع والإصرار على تشريعه، كما نحن نستعد منذ الآن، لمرحلة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، التي تتضمن هذا الأمر والتصويت عليه في مطلع العام المقبل 2009، ونتمنى أن يصدر هكذا قانون لكل العراق».وعن إمكان معارضته من قبل الرجال أو حتى من النساء، قالت ليزا نيسان إن «المشكلة الآن هي وجود جبهتين داخل شريحة النساء وليس الرجال، فقسم كبير مع تعدد الزوجات، والقسم الآخر ضد هذا الأمر».وهذه هي مصيبة المرأة العربية، فالمرأة هنا ضد المرأة، وليس الرجل وحده هو الذي ضدها.-4-ونتيجة لصدور «مجلة الأحوال الشخصية» في كردستان العراق، طالبت نساء عراقيات بمساواتهن مع النساء الكرديات في إصدار قانون يشبه ما تمَّ إصداره أخيراً في إقليم كردستان بتقييد الزواج الثاني، وإنهاء تسخير المرأة لمتعة الرجل، والسعي إلى إيجاد بدائل لدعم المرأة بدلا من إبقائها مشروع زواج ثان، تحت بند حمايتها.ورفعت «شبكة النساء العراقيات»- وهو التجمع الذي ينطوي تحت لوائه أكبر 7 منظمات نسوية في العراق- بياناً للبرلمان العراقي، حمل عدداً من المطالب، لكنه ركَّز على إنهاء «معاناة المرأة العراقية، أن تكون ضحية لزواج ثان، وثالث»، وبالتالي «تعديل قانون الأحوال الشخصية لسنة 59، وإصدار قانون عصري مواكب للتطورات، يحقق الاستقرار والأمن للأسرة، وتعزيز دولة القانون، وضمان كرامة المرأة، وإنسانيتها، وحريتها، في اختيار شريك حياتها، ورفض تعدد الزوجات». وقالت الناشطة العراقية نبراس المعموري، إنها مع قانون منع تعدد الزوجات في الوقت الحالي لأنه السبيل الوحيد للحفاظ على كرامة المرأة، وألا تكون مشروعاً لمتعة الرجل ونزواته، بل هي كيان يُمثَّل أكثر من نصف المجتمع، وعليها اختيار حياتها بنفسها، وعدم إجبارها، أو حصرها ضمن دائرة صغيرة، إما الجوع، وإما الزواج بعد موت زوجها الأول».-5-وهكذا نرى، أن إقليم كردستان العراق، يسير بخطى واسعة نحو الحرية والديمقراطية وأسرع مما يسير بقية العراق، ولعل ما مكّن هذا الإقليم من هذا السير الحثيث نحو الحرية والديمقراطية، هو الأمن والاستقرار، الذي وفره مسؤولو هذا الإقليم، وفي زيارتي للإقليم عام 2007، لمست بنفسي هذا الأمن، وهذا الاستقرار، فكانت إربيل والسليمانية، لا تختلفان عن أي عاصمة أخرى في الشرق الأوسط، من ناحية الأمن والاستقرار، ونأمل أن يعم الأمن والاستقرار في بقية العراق، لكي نستطيع أن نجني ثمار السنوات الخمس الماضية، من التضحيات والفداء.* كاتب أردني