يخطئ خطأ فادحا مَن يظن أن كل الذين ينتقدون بعض السياسات السورية، الداخلية والعربية، يستهدفون هذا البلد العربي الشقيق والعزيز ويتمنون له السوء. لذلك فإنه لابد من التأكيد على أن مسلسل الاغتيالات، الذي استهدف بعض كبار المسؤولين السوريين وكان آخرهم العميد محمد سليمان، لا يمكن إلاَّ أن يكون مداناً، فهذا أسلوب مرفوض وهذا إرهابٌ لا يقوم به إلا مفلسون سياسياً وقطَّاع طرق، وسورية لا تستأهل إلا الخير والاستقرار والتوجه الى الله بقلوب طاهرة أن يحفظ استقرارها ووحدتها.

Ad

يجب ألا تُفهم بعض الانتقادات، التي حسب الأدبيات اليسارية يمكن تصنيفها تحت بند النقد البنّاء، على أنها معاداة لسورية، حاشى لله، ومعاداة لنظامها، فالمثل يقول: «صديقك من صدَقك لا من صدَّقك». فالحرص هو الذي يدفع الحريصين على دولة عربية رئيسية شقيقة وعلى شعبها الطيب إلى إظهار ما يعتقدون أنها عيوب وأخطاء... وهؤلاء هم الذين سيكونون أول المتطوعين للدفاع عن التراب العربي السوري الطاهر إذا أحاطت به أي أخطار.

هناك أخطاء يجب أن تقال، لأن عدم قولها وإيصالها إلى المسؤولين السوريين يعتبر خيانة لسورية وتخليا عن شعبها الشقيق الطيب. فمثلاً كان يجب أن تدخل سورية القرن الحادي والعشرين، داخلياً وخارجياً وعلى صعيد الاقتصاد والسياسة والديمقراطية والحريات العامة، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء صراع المعسكرات، فعندما يتغير العالم لابد من التكيف مع تغيراته، لأن مَن يبقى يتشبت بماضٍ أصبح ماضياً سيعاني الكثير من التأثيرات ليس الجانبية فقط، وإنما الأساسية.

ومثلاً...انه لا اعتراض على أن تقيم سورية مع إيران علاقات ترتقي حتى إلى التحالف الاستراتيجي، لكن بشرط ألا تبقى تتمسك طهران الثورة الإسلامية بالماضي الذي ورثته من نظام الشاه محمد رضا بهلوي، وبخاصة الإصرار على أن هذا الخليج هو خليج فارسي وعلى أن الجزر الثلاث، التي احتلها الشاه بعدوان- لم يستهدف دولة الإمارات العربية فقط وإنما الأمة العـربية كلها- هي جزر إيرانية.

غير جائز، وهو مستغرب أن تقبل سورية التي هي قلب العروبة النابض فعلاً بهذا التدخل الإيراني السافر في الشؤون العربية... في لبنان وفي فلسطين وفي دول الخليج «العربي» كلها وفي اليمن وفي السودان وفي مصر ودول شمال إفريقيا العربية كلها، وفي سورية نفسها، وهو تدخل أخطر ما فيه أنه يستند إلى منطلقات وتطلعات فارسية قديمة لا يمكن مواجهتها إلا بالرفض والمقاومة حتى إن هي أفردت راية الدين الإسلامي على المذهب الجعفري الاثني عشري فوق هذا التدخل.

الوطن العربي كله من أقصاه الى أقصاه استقبل، على مستوى الشارع الشعبي، ثورة الإمام الخميني في عام 1979 بالترحاب والسعادة والفرح واعتبر أن مرحلة الشاه محمد رضا بهلوي كانت كابوساً وأُزيل، وأن هذه الثورة قد جعلت عمق العرب يمتد إلى مشهد، لكن للأسف، فإن هذا كله قد تبدد وتغير ليس بسبب الحرب العراقية- الإيرانية، وإنما بسبب أن مسؤولي هذه الثورة رفعوا شعار تصديرها خارج الحدود وأخذوا يحشرون أنف ثورتهم في أدق الشؤون العربية الداخلية.

ومثلاً أيضاً... انه ما كان يجب أن تنحاز سورية الشقيق الأكبر للبنان إلى أحد أطراف المعادلة في هذا البلد الصغير الجميل، وما كان يجب أن تترك الأمور حتى أُخرج جيشها طردا من الأراضي اللبنانية، وما كان يجب أن تدير ظهرها للأشقاء الذين وقفوا إلى جانبها وساندوها في المراحل الصعبة كلها التي مرَّت بها، وفي مقدمة هؤلاء الأشقاء المملكة العربية السعودية ومصر. وما كان يجب أن تصمت دمشق على محاولات إسرائيل المس بكرامتها أولاً عندما أرسلت طائراتها العسكرية لاختراق جدار الصوت فوق القصر الرئاسي في القرداحة، ثم عندما أرسلت طائراتها لقصف عين الصاحب بحجة وجود قاعدة فدائية فلسطينية، وعندما أرسلت طائراتها لتدمير ما اعتبر بدايات منشأة نووية، وعندما اغتالت عماد مغنية في أهم مربع أمني في العاصمة السورية.

إن هذه مواجع توجع العرب الذين يضعون سورية في بؤبؤ العين، والذين يشعرون بأي وخزة شوك لشقيق سوري إن في اللاذقية وطرطوس أو في دير الزور أو القامشلي أو الحسكة. أما الذين يصفقون على الطالع والنازل، فإنهم منافقون كذبة والمؤكد أن المسؤولين السوريين يعرفون هؤلاء الذين صفقوا للسيد عبدالحليم خدام حتى احمرت أكفهم، وبعد أن حصل ما حصل تحولوا إلى التصفيق للسيد فاروق الشرع، وهم سيصفقون حتماً لأي قادم مهما كان اسمه.

*كاتب وسياسي أردني