الروائي محمد العشري: الكتابات الجديدة عشوائيَّة ولا تحمل معنى

نشر في 21-05-2008 | 00:00
آخر تحديث 21-05-2008 | 00:00

جذبته الصحراء فأصبح أسيراً لها، شغف بأعمال عبد الرحمن منيف وإبراهيم الكوني، امتزج لديه الواقعي بالسحري وما تثيره الصحراء من خيالات ساخنة وطازجة، فكتب روايته «خيال ساخن»، إنه الأديب الشاب محمد العشري الذي اعتبره النقاد أحد الأدباء الشباب الذين استطاعوا أن يطاولوا هامات رواد الكتابة عن الصحراء وفق المصطلح النقدي.

حول الصحراء وروايته «خيال ساخن» ومسيرته الأدبية كان هذا الحوار.

في روايتك الأخيرة «خيال ساخن» يبدو انحيازك إلى الصحراء جلياً، هل يفوق المكان الشخصيات لديك؟

من الصعب القول بانحياز الكاتب إلى مكان من دون الشخصيات، فأنا أنحاز إلى الرواية بأكملها ولا يمكن تلخيصها بفكرة عشقي للصحراء. تزخر الرواية بالأشخاص والأحداث المتشعبة والأزمنة السردية المختلفة، ومن الممكن بلورة الفكرة التي تدور حولها، فهي ترصد تجربة العشق من منطلق شرقي وعربي . ونحن كبشر، لدينا حالة من الدأب والبحث عما يكمل أرواحنا وهي تلخيص الفكرة التي استهوتني ورصدتها في «خيال ساخن».

أنت تصر على الخيالي والأسطوري دائماً؟

فعلا يتلازمان لدي، فبعد روايتي «غادة الأساطير» خرجت إلى فضاء الصحراء، حيث عملي كجيولوجي في مجال البترول، فأدهشني هذا العالم وكتبت عنه ثلاث روايات متتالية. وبعد هذه السياحة لسنوات في الصحراء، لفت انتباهي امكان الاستفادة من الأسطورة والخيال وعالم الصحراء الواسع ومن العلم والتكنولوجيا لبناء عمل روائي جديد ومتكامل، فجاءت روايتي «خيال ساخن». قال عنها الدكتور عادل ضرغام إنها تستعصي على التصنيف، بمعنى أنها تستفيد من كل النماذج المختلفة، وارتأيت أن أنقل تجربتي الحياتية بشكل مختلف.

هل يمكن تصنيفها بأنها رواية سيرة ذاتية؟

في الحقيقة، أجد في كل رواياتي ملامح من حياتي تتغلب عليّ. أرى أن التجربة الحياتية مهمة جداً في الكتابة ولا أميل إلى الثرثرة بقدر الاختزال الشديد ورؤية عالم واسع أرصده في صفحات قليلة. تضيف الحياة الذاتية إلى العمل الإبداعي وتقوي السرد وتثريه، خصوصاً تجربتي الذاتية في عملي في الصحراء كجيولوجي، ومع ذلك لا بد من تدعيمها بالثقافة ووسائل المعرفة.

تدور روايتك «تفاحة الصحراء» حول منطقة الألغام في العلمين والحرب العالمية الثانية لماذا؟

كتبت هذه الرواية عن شمال الصحراء الغربية في مصر التي تقع فيها منطقة العلمين، وهي منطقة لها حضور دائم على مر التاريخ ونشبت فيها معركة العلمين الشهيرة خلال الحرب العالمية الثانية، واليوم هي مليئة بشركات البحث والتنقيب عن البترول الأجنبية. جاءت هذه الرواية بعدما عملت عاماً ونصف العام فيها، ما جعلني في حالة إلحاح شديد لنقل هذا العالم إلى القارئ، وقرأت دراسات عدة عن هذه المنطقة ودعمت التجربة الذاتية بمعظم الكتابات التي كتبت عنها ورصدت هذا العالم للقارئ لأنني وجدت فيه قاسماً تاريخياً مشتركاً، هو الاستعمار قديماً وشبه الاحتلال لشركات البترول حديثاً. كذلك تحتوي العلمين المصرية على حقل «الديورايت» وهو أكبر حقل ألغام في العالم وضعت بعشوائية أثناء الحرب، ونحن ما زلنا نطالب بخرائط عن هذه الألغام وأتصور أنه لا توجد خرائط لدى الدول التي أحدثت الحرب على هذه الأرض.

في روايتك «غادة الأساطير الحالمة» حالة من المزج بين الحياتي والأسطوري، كيف وازنت بينهما؟

جاءت هذه الرواية بعد تجارب كتابية مختلفة في القصيدة والقصة والفن التشكيلي . حاولت في كل فصل منها أن أرسم لوحة تشكيلية وأبني عليها الحدث الدرامي مستعيناً بهذه اللوحة.

هل أفادك عملك كجيولوجي في الكتابة؟

العمل في الصحراء له مزايا عدة، وضع لدي خطاً متداولاً في الكتابة ليس موجوداً في مصر، لأنه يوسع الأفق ويتيح الاطلاع على عوالم جديدة غير متاحة للغير من أبناء جيلي أو أجيال مختلفة. بالإضافة الى أنه بحث عن مجهول وتشريح لطبقات الأرض ومحاولة اصطياد شيء ما، وهو ما يتفق لدي مع الكتابة باعتبارها تشريحاً للذات الإنسانية. كذلك أتاح لي الترحال إلى أماكن من الصعب الوصول إليها بغير هذا المجال، وهو ما جعلني أكتب بشكل مختلف عن السائد والمألوف في الرواية.

تقترب أعمالك من الكوني ومنيف لماذا؟

قرأت كل كتاباتهما وشغفت بها وأعيد قراءتها من آن إلى آخر، إلا أن كتاباتي مختلفة. ربما تكون الصحراء هي المكان المشترك بيننا، لكن لكل كاتب أفكاره الخاصة التي يريد أن يعمقها، وقد اعتبرها الناقد الكبير «فاروق عبد القادر» إضافة إلى ما كتبه الكوني وعبد الرحمن منيف وليست تكراراً لهما، لأنها تحمل خصوصية مصرية وترصد ملامح إنسانية مغايرة لمفاهيم البدو، وتستفيد من الأسطورة في المعاش في عقولهم كمهنة «جمع الجثث» التي اشتهرت بينهم إبان الحرب العالمية وراح ضحيتها من البدو في مصر ما يماثل الأرواح التي زهقت في هذه الحرب.

كيف ترى الحالة الراهنة لجيلك الأدبي؟

يزدحم المشهد السردي بكتابات عشوائية خالية من تجارب حقيقية يمكن الاستفادة منها. على الرغم من أنني مع الكتابة للتسلية، لكن لا بد من أن يكون وراءها مغزى يدلي به الكاتب للمتلقي ويجب أن ترتبط بتجربة حقيقية، والقصور في ذلك بين تخاذل وتراجع النقد والنقاد والمشهد الروائي الآن مزدحم لكن بعشوائية. من هنا الحاجة ملحة إلى نقاد كثر لغربلة هذه الكتابات وإبراز الصالح منها، والتحدي الحقيقي أمام هذه الكتابات هو الاستمرار وقدرتها على البقاء.

ما هي حقيقة التواصل بين الجيل القديم والجديد في المشهد الإبداعي؟

التواصل على مستوى الكتابة حالات فردية وقليلة جداً، للتلاقي والتأقلم ورؤية الأفكار الجديدة من خلال ما يطرحه الأدباء الشباب. في رأيي يقوم الكاتب يوسف الشاروني، أحد أبرز جيل الرواد، بهذه المهمة، أما الباقي فمنغلق على نفسه ولا يسعى إلى الاحتواء، ويعود السبب في ذلك إلى الإيقاع الحياتي المتسارع وانتشار وسائل متعددة للتواصل مثل الإنترنت وعالم الاتصالات، ما غيّر في مفهوم التواصل بين الكتّاب وأصبحنا نتواصل مع كتّاب آخرين من مختلف البلدان عبر هذه التكنولوجيا.

وجديدك؟

أعكف على إعادة بناء رواية «رائحة الأيام المنسية»، كتبتها سابقاً ولم ترَ النور بعد، وأعيد النظر فيها لأنمّي عالمها الداخلي بما يتناسب مع الروايات السابقة التي طرحتها.

نبذة:

تخرج محمد العشري في كلية الهندسة في جامعة القاهرة ويعمل مهندساً في إحدى الشركات الكويتية للبترول في مصر. أصدر مجموعة من الروايات من بينها : «غادة الأساطير الحالمة»( 1999 لدى الهيئة العامة لقصور الثقافة)، « نبع الذهب» (لدى الناشر نفسه)، «تفاحة الصحراء» ( 2001 لدى مركز الحضارة العربية)، «هالة النور» (لدى الناشر نفسه)، « خيال ساخن» ( 2008 لدى الدار العربية للعلوم في بيروت ودار منشورات الاختلاف في الجزائر ومدبولي في القاهرة). حاز على جائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة (2000 / 2001) وجائزة نادي القصة في الرواية (1999)، ثم جائزة إحسان عبد القدوس عن روايته الأخيرة «خيال ساخن».

back to top