Ad

الاستقالة من جماعة سياسية لا يعني الكفر بمبادئها، وفي حالتي، كيف لي أن أكفر بحزب شاركت في تأسيسه وإقرار مبادئه؟! لا يمكن على الإطلاق، بل مازلت وسأبقى مؤمناً بمبادئ «حزب الأمة»، ومازلت وسأبقى قائلاً إن هذه المبادئ من أفضل الاجتهادات التي يمكن أن يقوم على أساسها حزب وطني في الكويت.

تقدمت منذ أسبوعين باستقالتي من حزب الأمة، وكان لهذا الأمر وقع المفاجأة على كثير ممن يعرفونني، فانهالت الاتصالات والتساؤلات، وكثرت بموازاتها الإشاعات والتحليلات، حتى ان أحدهم قال إني قد فصلت من الحزب بسبب مقالي (دفاعاً عن «ستار أكاديمي»، دفاعاً عن القانون)!

والحقيقة، أنه كان في نيتي ألا أكتب عن المسألة باعتبار أنه قد لا يكون فيها ما يستحق، لكن ومع إصرار بعضهم على أن أتناول الموضوع، وكذلك إصرار بعض القراء الظرفاء، على إثارته عند تعقيبهم على مقالاتي همزاً ولمزاً، أعدت النظر فوجدت أن مقالاً عن الحكاية لن يضر وقد يفيد، لكنني مع ذلك سأحاول استغلال الفرصة للتركيز على مفهوم الاستقالة السياسية، عارجاً إلى استقالتي كنموذج، لعلها تكون فائدة.

لا أدري، لماذا يعتقد بعضهم أن كل استقالة من جماعة سياسية لابد أن تكون ملفوفة بالخلافات والصراع، وأن تحيط بها الضجة والصخب، وأنه لابد أن تكون مسبوقة أو ملحوقة، بفضيحة أو كارثة سياسية؟! لا يا سادتي، ليس الأمر هكذا دوماً، فالعمل السياسي بأشكاله المختلفة، في قناعتي وتقديري على الأقل، ليس إلا وسيلة للوصول إلى غاية في نهاية المطاف، ومن حق الإنسان، طالما أن لديه عقلاً قادراً على التفكير باستقلالية وتقدير الأمور، أن يعيد النظر في وسائله، ويعيد حساباته ومسافات الطرق التي يسلكها. الاستقالة من جماعة سياسية لا يعني الكفر بمبادئها، وفي حالتي، كيف لي أن أكفر بحزب شاركت في تأسيسه وإقرار مبادئه؟! لا يمكن على الإطلاق، بل مازلت وسأبقى مؤمناً بمبادئ «حزب الأمة»، ومازلت وسأبقى قائلاً إن هذه المبادئ من أفضل الاجتهادات التي يمكن أن يقوم على أساسها حزب وطني في الكويت. حزب يؤمن بالمساواة والتعددية وحقوق الإنسان، أفترض ألا يختلف مع مبادئه أحد، وجدير بأن يحترمه منافسوه، في عالم المنافسات الشريفة.

المحك يكمن في كيفية وضع المبادئ والنظريات على أرض الواقع، وهو الأمر الذي يمكن تسميته تسهيلاً «العملية الإدارية»، أي كيف يقوم المؤمنون بهذه المبادئ والنظريات بتنفيذها ومداولتها على أرض الواقع؟ وكيف يتم ترتيب أولوياتهم وإدارتها؟

ما حصل في حالتي وبكل بساطة، هو اختلاف، ولن أسميه خلافاً، في طريقة إدارة الأمور، فأنا لي وجهة نظر في كيف يجب أن تدار؟ وبقية الزملاء، أو لأقل أغلبيتهم، كانت لهم وجهات نظر أخرى، ولأن الأمور تدار في الحزب بالتصويت، فما كان لي أن أفرض طريقتي على الحزب، وما كان لي أيضاً وبطبيعة الحال، أن أستمر في العمل وفق طريقة لا أقتنع بها، حتى وصلت إلى قناعة بأني لا أجد نفسي عملياً من ضمن فريق العمل، وأني قد أتحول مع مرور الوقت إلى حمولة ثقيلة عليهم بسبب عدم قدرتي على الهضم السريع لطريقة العمل المستخدمة والمتبعة. الجانب الآخر الذي دفعني لذلك هو أن لي مقالاتي وأنشطتي التي تكشف وتصرّح بمنهجيتي في العمل ونظرتي الخاصة حيال القضايا المختلفة التي تعترض الساحة السياسية، مما سيبين منه حتماً اختلافي عن منهجية عمل الزملاء في «حزب الأمة»، وبالتالي قد يسبب الأمر إحراجا للطرفين.

استقالتي من «حزب الأمة»، هي خروج من فريق عمل أو من مجموعة اختلفت معها على طريقة الإدارة فحسب، ولكن بلا أي خلافات في النظرية والمبادئ.

«حزب الأمة»، ككل الجماعات السياسية الراقية، يجب ألا يتوقف على الأشخاص، وقد سبق أن خرج منه أعضاء، وبقي مستمراً في نشاطاته وعمله، وسيبقى مستمراً إن شاء الله بعد خروجي، وسأبقى أنا مستمراً في نشاطاتي، ولكن من موقعي هذا، لنخدم كلنا في نهاية الأمر المسارات نفسها الهادفة إلى المساواة والتعددية وحقوق الإنسان، والساعية إلى كويت أفضل.

وهذه هي حكاية استقالتي من الحزب بلا زيادة ولا نقصان، ولا حرائق ولا نيران!