بحكم حاجتي الإنسانية الدائمة إلى القراءة، وتعلقي بها نافذةً تأخذني إلى عوالم كثيرة، وتطلعني على حياة لا أعرفها، وبسبب حرصي على قراءة ما يصدر على الساحة المحلية، بغية التواصل معه، والوقوف على مستواه الفني؛ لفت نظري تكرار نشر أعمال أدبية تفتقر إلى ما يمكن أن يُسمى بأصول الصنعة. فلكل فنٍ أساسيات ومتطلبات، وعلى من يرتضي لنفسه الدخول إلى ساحة أي فن، أن يتعلم أساسيات هذا الفن، وأن يتقن متطلباته، قبل الشروع بمغامرة نشر أعمال تحمل اسمه.

Ad

إن مختلف جامعات ومعاهد العالم تحرص على تقديم فصول دراسية تعنى بتدريس مختلف مهارات وأسرار الكتابات الإبداعية، ويقوم بالتدريس فيها كتّاب محترفون ومدرسون قطعوا شوطاً كبيراً في مجال الكتابة الإبداعية. وينتظم في هذه الفصول طلاب ودارسون عشقوا فنون الكتابة الإبداعية، وصمموا على الخوض فيها، بعد الوقوف على أساسياتها الفنية.

إن كتابة القصة القصيرة أو الرواية أو القصيدة، تحتاج بالضرورة، بجانب الموهبة، إلى معرفة علمية بتاريخ هذا الفن أو ذاك، ومراحل تطوره، وأهم رموزه ومدارسه. مثلما تحتاج إلى قراءات كثيرة معمقة، لكشف أسرار الفن التي لا يعرفها إلا من خاض فيها، وخبر دهاليزها. فلا تكفي الموهبة الشخصية للكتابة، ولا يصح أن يغامر كاتب مبتدئ باسمه، ويتسرع بطباعة ونشر كتاب أدبي يفتقر إلى الأساسيات الفنية، فهو بذلك يسيء لنفسه، أمام ذاكرة قراء لا تنسى، ولا ترحم عثرة التجربة الأولى.

إن الدخول إلى أي ميدان أدبي أو فني يتطلب بالضرورة إعداد العدة، والتسلح بالمعرفة العلمية وخبرة الممارسة، وأخذ المشورة، وسماع الرأي النقدي الموضوعي الصادق، لا كلمات الإطراء الرخيصة. لذا نرى إمكانية مساهمة جهات كثيرة، رسمية وشعبية، في تقديم فصول وورش لتعليم الكتابة الإبداعية في مختلف أجناسها. جهات تراهن على كاتب المستقبل، وتراهن على قدرة الكتابة الإبداعية، في زمن العولمة الثقافية، على الوصول إلى الآخر حيثما كان، وتراهن قبل هذا وذاك على إخلاصها للفن والحياة.

إن وزارة التربية، وجامعة الكويت، ووزارة الإعلام، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، والمعهد العالي للفنون المسرحية، ومجلة العربي، ورابطة الأدباء، ودار الآثار الإسلامية، ودار سعاد الصباح، ومؤسسة البابطين للإبداع الشعري، وجمعية الفنون التشكيلية، ومؤسسات أخرى كثيرة، تستطيع تنظيم ورش عمل، وفصول دراسية تستضيف من خلالها المبدعين المختصين، من داخل الكويت وخارجها، لتقديم دروس عن الكتابة الإبداعية في مختلف أجناس الأدب والفن، وبما يضمن صلة واتصالاً بين الجيل الجديد والأجيال المخضرمة، وما يؤهل الأجيال الشابة لكتابة أعمال إبداعية تتوافر على الأساسيات المطلوبة لكل فن.

إن ولادة قَصاص أو روائي أو شاعر، تمثل حدثاً مهماً لأي بلد من البلدان. لكن هذه الولادة لا تقع بين يوم وليلة، ولا تكتفي بالموهبة، بل تحتاج إلى جهد منظم، ومثابرة وصبر على التعلم والقراءة والتحصيل الثقافي والفني، ووصل مع كتّاب الفن والأدب المبدعين، وأخيراً عدم التسرع في النشر، والتريث في الدفع بأي كتاب إلى سوق القراء. فليس أصعب من حكم القارئ القاسي، ولا سبيل إلى سحب كلمة أو كتاب وصل إلى الناس، وفسره كل منهم بحسب وعيه.

إن المتابع للساحة المحلية الثقافية يرى وجود عدد كبير من الشباب المتحمس للأدب والفن بمختلف أجناسه، وهذا أمر مفرح يبعث على التفاؤل والأمل، لكن هذه المجاميع من الشباب الواعد تحتاج إلى من يحتويها بشكل علمي مخلص، ويصقل مواهبها، ويضع قدمها على جادة الفن الصحيحة. وأكاد أجزم بأن هذه مهمة وطنية كبيرة تستحق من يتصدى لها.