أنا بوصلوح المتين قاعد بروحي حزين بين قرطاسي... وباسي أحلم وحلمي ثمين!

Ad

تلك كانت رسالة قصيرة وصلتني عبر الهاتف النقال من الصديق صلاح الساير، أو «بوصلوح» كما يحب هو وأصدقاؤه أن يلقبوه.

هذا الـ«ساير» الوحيد الحزين... هو أكثر الأصدقاء الذين عرفتهم قدرة على إحالة الوحدة إلى عالم مليء ولو برسالة نصية قصيرة عبر الهاتف النقال، كتلك التي ذكرتها آنفا، وهو أكثرهم قدرة على إحالة الحزن إلى بهجة من التأمل ورياضة روحية تعيد الروح إلى المشاعر!

بوصلوح كائن غير عادي، استثنائي، مذ عرفته منذ سنوات وهو قادر على إدهاشي، وكثيرا ما فكرت في أنه أستاذ في ابتكار الدهشه وهندستها ومن ثم تغليفها في ورقة سولفان وإهدائها لمن معه في تلك اللحظة!

يحب الكلام المكثف، المختزل، يفاجئك أحيانا بجملة مركزة، تشغلك زمنا.

هو ليس «نيرون» ولكن من هواياته المفضلة إشعال أعواد الكبريت ورميها في أي فكرة قابلة للاشتعال، أو فكر معبأ بالمحروقات، وهو لا يحب أن يكون جزءا من تلك الحرائق التي يبتكرها، كما أنه لا يوليها ظهره، بل إنه يعشق مراقبتها لعله يصطاد من كل ذلك جملة غير قابلة للاحتراق زمنا طويلا!

وهو ليس صلاح جاهين، ولكن له ذات القدرة في السخرية العميقة، وتحويل الألغاز الكونية إلى فلسفة سهلة في متناول الجنون!! كما له ذات الروح الفنانة التي ترى الحياة من خلال عدسة إبداعية ولكن بحس «سايرزمي»!

أضاءني ذات رسالة قصيرة فكتب:

«كم أحبك وأحترمك، فقد تساقط الجميع وأنت وحدك لاتزال منتصبا، مضيئا في هذه الظلمة الموحشة. رسالة إلى عمود النور في الشارع».

توت توت... توت توت: رسالة جديدة من بوصلوح:

«المايكرويف يتفلسف. ظل الحجر قصيدة. لا توجد وظائف شاغرة في السماء. الإيميل تواصل افتراضي. ربما أكون أحدا غيري.»

إذا لمحته فجأة يعدل وضع نظارته، ويضع إبهامه تحت ذقنه، ويحرك سبابته فوق شفتيه، فحاذر، وراقب جيدا، فأغلب الظن أن جهنم ستمر من هنا مرتدية جلباب حكمة!

ولكي تنال المتعة الذهنية والروحية القصوى في حضرة بوصلوح، احرص على ألّا يكون المكان مزدحما، وأعني بالمزدحم ما يفوق الأربعة أشخاص، مع أن ثلاثة أشخاص عدد مثالي للاستمتاع بتجلياته!

يمارس جنونه بدون افتعال أو ادعاء تافه، والمدهش أن لجنونه جاذبيه غامضة، ربما للبراءة التي تسكنه، أو للعقلانية التي في جوهره، وربما لعبقرية الإحساس وشفافيته الكامنتين في هذا الجنون.

توت توت... توت توت: رسالة جديدة من بوصلوح:

«قرأت في الأديان والسياسة والتاريخ والآداب، لم تهزني عبارة مثل عبارة مكتوبة على طوفة محول كهرباء في جليعه تقول... الله يكتب نوف حق مشعل!»

الله الله عليك يا بوصلوح ما أجملك، كم أنت مذهل بالتفاتك إلى ما يرميه ساحل الحياة اليومية من تفاصيل وأعشاب وأحجار، كم أنت فنان، وكم أن رسائلك ثرية ومدهشة... وتشبهك!!

توت توت... توت توت: أودعكم... لعلها رسالة جديدة من بوصلوح.