ما يخشاه أوباما كثيراً، أن يقدم بوش، في الساعات الأخيرة قبل انتهاء ولايته الدستورية، على «تجديد» أمر رئاسي بشن سلسلة غارات على إيران وسورية، مما يضع الإدارة الجديدة أمام واقع حربي جديد من شأنه أن ينسف التوجهات الحوارية المزمع إجراؤها مع هذين البلدين.

Ad

الحرب بين الجمهوريين والديمقراطيين لم تنته بإعلان فوز أوباما الديمقراطي على منافسه ماكين الجمهوري، بل هي مازالت مشتعلة وستبقى كذلك إلى حين خروج بوش من البيت الأبيض في يناير المقبل، سبب اشتعال هذه الحرب أن أوباما ومن ورائه أركان حزبه لا يثقون بأن بوش قد رفع الراية البيضاء واستسلم بشكل كامل، بل مازال في مقدوره أن يقوم بأعمال من شأنها أن تخلق مزيداً من المشاكل للإدارة الجديدة ورئيسها خلال ما تبقى من فترة بقائه الدستورية.

إن مستشاري أوباما يشحذون الفكر لمعرفة طبيعة الأعمال السلبية التي قد يقوم بها بوش، وذلك في محاولة لقطع الطريق على إمكان حدوثها، بواسطة الإسراع بتعيين وزرائهم بحيث يصبح من الصعب على بوش اتخاذ قرارات تـُغرق ُ العهد الجديد، وبوش مستعد أن يفعل ذلك إذا استطاع إليه سبيلاً. فالرجل قد خسر الدنيا والآخرة، ولم يعد هناك ما يخسره، وقد أثبت أكثر من مرة أنه يحب «المناكفة» والنكاية أكثر من حبه لمصلحة بلاده.

معلومات واشنطن تشير إلى أن أوباما أصدر تعليماته إلى فريقه بضرورة الإسراع بوضع اللمسات النهائية على سياسته الخارجية التي تقول «نيويورك تايمز» إنها ستختلف في كثير من النواحي عن سياسة سلفه بوش، وبينما لم تتحدد بعد أوجه التغيير، إلا أن مصادر المستشارين الجدد تؤكد أن إعلان هذا التغيير سيأتي على جرعات ودفعات، وعبر تصريحات وتسريبات صحافية قبل أن يدخل أوباما البيت إلى الأبيض. وسبب استعجال أوباما في إعلان مبادئ سياسته الداخلية والخارجية يرجع إلى خشيته من أن يقدم بوش على استخدام صلاحياته الدستورية حتى اللحظة الأخيرة، حيث يصدر قرارات تتناقض مع اتجاهات أوباما مما يضطر هذا الأخير إلى إلغائها فيما بعد. وهذا يسبب البلبلة ويضع عراقيل في أيام رئاسته الأولى، وما يخشاه أوباما كثيراً، وقد عبر عن هذه الخشية بعض مستشاريه، أن يقدم بوش، في الساعات الأخيرة قبل انتهاء ولايته الدستورية، على «تجديد» أمر رئاسي بشن سلسلة غارات على إيران وسورية، مما يضع الإدارة الجديدة أمام أمر واقع حربي جديد من شأنه أن ينسف من الأساس التوجهات الحوارية المزمع إجراؤها مع هذين البلدين، ويشعل بالتالي منطقة الشرق الأوسط برمتها. ومن المحتمل أن يستخدم بوش في هذه العملية قرارا سريا أصدره وزير الدفاع السابق رامسفيلد بمعرفة بوش وموافقته في العام 2004 بضرب أي موقع في أي دولة ولو كانت صديقة يشتبه في أنه يشكل نواة إرهابية أو مشروع نواة إرهابية. وقد تم تنفيذ أكثر من 12 عملية في السنة ذاتها استهدفت سورية وباكستان وأمكنة أخرى، حسب ما كشفه مصدر رسمي كبير لجريدة «نيويورك تايمز» في العاشر من الشهر الجاري. لذلك فإن أوباما أصدر تعليمات مشددة لمستشاريه بضرورة مراقبة بوش عن قرب لمنعه من القيام بأي خطوات من شأنها أن تنسف مخططاته المستقبلية. وقد استطاع أوباما أن «يجنّد» وزير الدفاع الحالي روبرت غيتس لمراقبة التحركات والأوامر العسكرية التي قد يصدرها بوش، وكان ثمن التجنيد وعداً صدر بشكل تلميح قوي بإمكان إبقاء غيتس في منصبه الحالي كوزير للدفاع في الإدارة الجديدة.

من جهة أخرى أصيبت إدارة بوش بالصدمة عندما وصلت إليها نسخة عن برقية التهنئة التي أرسلها الرئيس الأفغاني حامد كرزاي إلى الرئيس أوباما بعد عدة ساعات من إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة، ومما زاد في دهشة إدارة بوش واستغرابها أن لهجة البرقية جاءت بمنزلة استنجاد بالرئيس المنتخب حيث طلب إليه أن «يأمر» قائد القوات الجوية بوقف الغارات ضد المدنيين الأفغان العزّل. واعتبرت برقية كرزاي بمنزلة استقالة سريعة من إدارة الرئيس بوش ومؤشراً واضحاً على ضرورة الإسراع بإجراء التغيير في السياستين الخارجية والدفاعية.

وقد نشرت جريدة «كريستيان ساينس مونيتور» سلسلة آراء لخبراء في الشؤون العسكرية والسياسة الداخلية ممن يشكلون فريق أوباما، وبدأت بـ«بروس جنتلسون» الذي عمل في الخارجية الأميركية خلال فترة حكم كلنتون، والذي قال: سنشاهد رؤية استراتيجية تختلف كثيراً عن تلك التي قادت خطوات بوش. إن الأفضلية في ذهن الرئيس المنتخب هو الموضوع الأفغاني الذي قال عنه أوباما إنه يريد زيادة في القوات العسكرية هناك مع رؤية شاملة لا تركز فقط على العسكر. ويأتي بعدها من حيث الأولوية موضوع الأزمة المالية العالمية ثم بعد ذلك فك الارتباط مع العراق... وبعد هذا كله يأتي موضوع ماذا سنفعل مع إيران.

هذا القول الصادر عن رجل يدرك معنى ما تحدث به يرسم علامة تعجب، أولاً لم يذكر، لا تلميحاً ولا تصريحاً الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي أزمة الشرق الأوسط، وكأنه يريد ألا يسلط الضوء منذ اليوم على هذه المشكلة التي هي أم المشكلات في الشرق الأوسط منذ العام 1948 إلى الآن، مما يدفع إلى القول إن أوباما يريد أن يسير بحل الأمور الخفيفة، أو على الأقل يضع برنامجاً لحلها، قبل أن يتفرغ للصراع العربي الإسرائيلي. ثانياً تحدث عن موضوع العراق وكأنه لا يشكل تلك العقبة الكأداء للسياسة الأوبامية مما قد يعني أن محادثات ما تحت الطاولة تسير بخطى حثيثة نحو ما أسماه «جنتلسون» بفك الارتباط مع العراق، أما الغموض الأكبر فهو في التعبير الذي استخدمه عن إيران: ماذا يمكن أن نفعل مع إيران ومفاعلها النووي، وإذا أخذنا الأمور بتسلسل واقعي نرى أن فك الارتباط مع العراق لن يكتب له النجاح إلا بموافقة إيران أو على الأقل برضاها؟ فهل يتحدث مستشارو أوباما بلغة المبالغة أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

من ناحية أخرى، تتدخل سوزان آيزنهاور، وهي خبيرة بشؤون الأمن القومي وتنتمي إلى الحزب الجمهوري قبل أن تنتقل إلى صف الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة، لتعزف على نغمة أخرى مختلفة، فهي تقول: «من الصعب أن نتخيل تغييراً جذرياً ودراماتيكياً في سياسة العهد الجديد، وقد يحدث هذا التغيير في الأسلوب وليس في المحتوى».

يوافق على هذا الرأي «وايس ميتشل» حيث يرى أن الإدارة الجديدة تسير بسرعة غير محسوبة العواقب للوقوع في «مطبّات» غير واقعية مما يعطي صورة غير مضيئة لبداية مسيرتها، وينصح ميتشل إدارة أوباما بأن تستمع بكلتا أذنيها إلى الحلفاء الذين ستتعاون معهم في السنوات الأربع القادمة، وينتهي إلى القول: «أتوقع أن أرى مزيداً من الاستمرارية في السياسة القديمة لا تغييراً جذرياً». ميتشل هو مدير مركز الأبحاث للسياسة الأوروبية ومحلل سياسي في واشنطن.

ومن الآن إلى أن يخرج بوش من البيت الأبيض ويدخل إليه أوباما يبقى شبح احتمال وقوع كارثة ما مسيطراً على أذهان أوباما وفريقه.

* كاتب لبناني