أعياد الربيع... خريف دائم
اقتربت أعياد النيروز، لا يفصلنا عنها إلا نحو شهر واحد، في كل نيروز تتجدد آمال الأكراد السوريين بغدٍ أكثر عدالة، أو على الأصح، أقل إجحافا، وقد ينطبق ذلك على الأعياد هذا الربيع، أكثر من أي وقت مضى.صحيح لم يكن العام الراحل سعيدا على صعيد حقوق الإنسان ككل في سورية. كان بائسا كما قبله، متخما بالانتهاكات على أنواعها؛ بالاعتقالات والأحكام التعسفية بحق العشرات من بينهم نخبة من المثقفين والنشطاء السوريين، وبضحايا التعذيب وأحداث سجن صيدنايا العسكري وسواها. لكنه أيضا ترك بصمته الخاصة في ما يتعلق بأكراد سورية، ولا نقول بالمواطنين الأكراد، كي لا نستثني من حديثنا أولئك المجردين من الجنسية. منذ عدة أشهر، بدأت حملات الاعتقال في الأوساط الكردية تتكثف لتشمل العشرات في فترة قصيرة، وللمرة الأولى منذ سنوات، بالإضافة إلى القواعد الحزبية ونشطاء الشأن الثقافي الكردي، تشمل الاعتقالات القيادات السياسية أيضا، من مثل اعتقال السيد مشعل التمو في أغسطس الماضي، والذي تستمر محاكمته حاليا بتهم القائمة السوداء إياها من قانون العقوبات السوري، كالنيل من هيبة الدولة وإضعاف الشعور القومي والتحريض على الاقتتال الطائفي!
لم يستجد أي شيء بالنسبة للمظالم القديمة، خاصة ما تعلق منها بعشرات الآلاف من «البدون» المجردين من الجنسية، رغم كل ما قيل وما تسرب وما طرح من وعود خلال السنوات القليلة الماضية، بقرب حل هذه القضية رسميا. على العكس من ذلك، فإن العديد من المستجدات زادت من أوضاع الأكراد تعقيدا، لتضاعف الهموم التي يعانيها السوري عموما، وفي مقدمتها الهم الاقتصادي ومآلاته المختلفة. أواخر العام الماضي، صدر المرسوم رقم 49 لعام 2008، الذي يقضي بتقييد حركة بيع وشراء واستثمار الأراضي والعقارات في المناطق الحدودية التي تدخل فيها محافظة الحسكة، وهو ما يراه الأكراد مسببا لكوارث اقتصادية محققة في تلك المناطق. وقد تحركت مختلف القوى الكردية السياسية والحقوقية لمواجهة هذا المرسوم، بالاعتصامات والعرائض إلى المسؤولين والمذكرات إلى السيد رئيس الجمهورية، وُجمع 46 ألف توقيع على عريضة تطالب بإلغاء هذا المرسوم، في أكبر عريضة مطلبية سورية من نوعها، خلال السنوات الماضية. ولم يكن يكفي بعد ذلك كله، التسريب عبر مصدر مغفل الاسم، بأن الأهداف الحقيقية للمرسوم ذات أبعاد تتعلق بالأمن القومي، بعد الحصول على أدلة قاطعة بأن الإسرائيليين تمكنوا من شراء مئات الهكتارات في أربع مناطق حدودية سورية عبر وكلاء يحملون جنسيات عربية قطرية وأردنية، وفقا لذلك المصدر. وأخيرا، صدر قرار أمني جرى تعميمه على أصحاب المطاعم والمحال التجارية، التي تؤمن العمل للأغلبية من الأكراد المجردين من الجنسية، يحظر استخدام أي شخص لا يحمل البطاقة الشخصية السورية. ومعلوم أن «البدون» لا يستطيعون ممارسة أي أعمال أخرى، فيما عدا مسح الأحذية والبيع على البسطات، لأنهم لا يملكون أي وثائق رسمية ضرورية لممارسة أي عمل آخر. وقد قيل هنا وهناك، إن القرار يستهدف مصلحة السوريين، لتوفير فرص عمل أوسع بمواجهة العمالة العراقية على سبيل المثال، وهو قد يكون رأيا صائبا لو سبقه حل مشكلة المجردين من الجنسية، بدل إضافة معاناة جديدة إلى معاناتهم، ورمي أعداد متزايدة من الشباب إلى العطالة والتشرد. ولا تكفي هنا بعض التصريحات الرسمية الخجولة بين حين وآخر، أن تمييزا لا يمارس بحق الأكراد، وأن مظالمهم يبالغ بها وأن أهدافهم تتعدى في أبعادها مطالبهم الآنية. الأوضاع الاقتصادية الضاغطة بتأثير الأزمة المالية العالمية، مدعومة بالفساد وسوء الإدارة، وشرائح إضافية من المواطنين تسحق في المعمعة، هي العناوين التي تتصدر الصحافة شبه الرسمية بشكل يومي، فكيف إن صاحب ذلك إجراءات إضافية من شأنها مضاعفة آثار الأزمة ومعاناتها. بالتأكيد القضية ليست اقتصادية في جوهرها، بل العوارض الاقتصادية هي إحدى تجلياتها فقط، ولا يمكن استمرار سياسة غض النظر عن أصل المشكلة إلى ما لا نهاية. ثم إنه، وفي زحمة المصالحات العربية-العربية، والعربية-الأميركية، يتنسم المرء رائحة الأمل، بأن جميع العداوات المستفحلة قابلة لأن تغدو قصص حب بين يوم وضحاه! وألا شيء يبدو مستحيلا في عالم السياسة المعقد والغامض، لكنه أيضا يثير التساؤل، إذن: لماذا كل شيء يبدو مستحيلا وعصيا على التغيير في الداخل؟!* كاتبة سورية