أسعار الصرف تمتطي قطار الملاهي مجدداً في عام 2009

نشر في 28-12-2008
آخر تحديث 28-12-2008 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت كان عام 2008 عاماً عاصفاً إلى حد غير عادي بالنسبة لأسعار الصرف؛ فقد ارتفع سعر الدولار الأميركي إلى عنان السماء، وتجاوَزه الين الياباني لكي يستقر في مداره حول الكوكب، وهبط اليورو إلى الأرض، في حين سقط الجنيه البريطاني حتى ارتطم بالأرض وخلَّف من حوله حفرة عملاقة. كما هبطت أسعار عملات الأسواق الناشئة، وهبطت أسعار «عملات السلع الأساسية» مثل الدولار الكندي والأسترالي والنيوزيلندي، والراند الجنوب إفريقي. ويبدو أن كل عملة تابعة لأي بلد، يعتمد بشكل كبير على صادراته من السلع الأساسية، عانت أيضاً.

تُرى ماذا يحمل العام الجديد لنا من مفاجآت في ما يتصل بأسعار الصرف؟

في حين أن الرهان الوحيد الآمن هو أن هذه التقلبات الحادة ستستمر، فإننا نمر بمنعطف غير عادي، إذ باتت الميول القصيرة الأمد والطويلة الأمد مختلفة تمام الاختلاف؛ ففي المدى القصير، مازال الين والدولار يواصلان الاستفادة من إيثار المستثمرين المذعورين للأمان وبحثهم عن مخبأ يلوذون به. وتتعزز قوة الين والدولار أيضاً بفضل استمرار البنوك المركزية في أماكن أخرى من العالم في خفض أسعار الفائدة نحو الصفر، وهي المنطقة التي تحتلها بالفعل سياسة سعر الين والدولار.

هكذا، ورغم أن الولايات المتحدة واليابان لن ترفعا أسعار الفائدة في وقت قريب، فإن أسعار الفائدة الأجنبية الأكثر انخفاضاً مازالت تجعل الدولار والين يبدوان أكثر جاذبية نسبياً. أما أسعار السلع الأساسية فستستمر في الانخفاض، جاذبة معها أسعار عملات السلع الأساسية، وداعمة في الوقت نفسه سعر الين بصورة خاصة، وذلك لأن اليابان المحرومة من الموارد تعتمد بشدة على الواردات من السلع الأساسية.

إن ميول أسعار الصرف القصيرة والطويلة الأمد تشير عادة إلى الاتجاه نفسه. والحقيقة أن كماً ضخماً من الأبحاث يؤكد أنه بالنسبة لأغلب العملات الرئيسية فإن أفضل التكهنات بأسعار الصرف للأسبوع، أو الشهر، أو حتى العام المقبل، هو ببساطة سعر صرف اليوم. بيد أننا لا نعيش اليوم زمناً عادياً؛ إذ إن استمرار الأزمة المالية يفرض ضغوطاً ثابتة على الدولار تدفعه نحو الارتفاع، وذلك بفضل مكانته باعتباره ملاذاً آمناً. أما أسعار السلع الأساسية فإنها مازالت تبحث عن أعماق جديدة.

سوف تنتهي الأزمة المالية في نهاية المطاف رغم كل شيء، ولسوف تنتهي أيضاً حالة الركود العالمي. قد لا تحين نهاية أي من الأزمتين قريباً، وربما ليس قبل سبعة أو ثمانية أشهر، إن لم يكن بعد ذلك، ولكن حين يبدأ النمو الطبيعي في العودة من جديد، فستختفي الميول الحالية التي يقوم عليها ارتفاع قيمة الدولار والين. وربما يغدو المستثمرون الدوليون شاكرين لحكومة الولايات المتحدة بسبب الحوافز النقدية والمالية القوية التي طرحتها، والتي ستتسارع بشدة حين يتولى الرئيس المنتخب باراك أوباما منصبه في العشرين من يناير. بيد أن المستثمرين سيستمرون في القلق بشأن ما قد يحدث حين تأتيهم الفواتير المستحقة.

لا شك أن العديد من الأسواق الناشئة أيضاً راغبة في تبني سياسة مضادة للتقلبات الصاعدة والهابطة في إدارة الاقتصاد الكلي، بيد أنها مترددة نتيجة لمشاغل ترتبط بالاستدامة المالية والخوف من تفشي التضخم. أما السياسة المالية الأوروبية فهي مقيدة بمعاهدة ماستريخت، في حين تكرس السياسة النقدية الأوروبية جهودها كلها في اتجاه استقرار الأسعار.

صحيح أن لدى الصين بكل ما تحتفظ به من احتياطات ضخمة من العملات الأجنبية القدرة على الإنفاق قدر ما تشاء على السياسة المضادة للتقلبات في إدارة الاقتصاد الشامل، مثلها في ذلك مثل أي دولة أخرى. ولكن حكام الصين يدركون أن نظامهم المصرفي المُلجَّم بات عُرضة للخطر بفعل استمرار البلاد في ملاحقة التحرير المالي التدريجي، وأنها قد تحتاج إلى احتياطاتها من العملات الأجنبية لإعادة التمويل.

وعلى هذا فقد لا تكون هناك منطقة قابلة للتوسع بقدر الولايات المتحدة.

في الوقت الحالي، قد لا يشبع نهم المستثمرين العالميين إلى سندات خزانة الولايات المتحدة، كما يتبين لنا من الانخفاض الشديد لأسعار الفائدة على سندات الولايات المتحدة القصيرة الأجل. بيد أن القدر الأعظم من هذا الطلب مدفوع بمخاوف قصيرة الأمد تغذيها الأزمة. ومع عودة الأسواق إلى طبيعتها من المؤكد أن المستثمرين سينظرون حولهم فيتبيّن لهم أن الولايات المتحدة عمدت إلى زيادة دينها إلى حد هائل في محاولتها لمكافحة الانكماش، وقد لا تقل هذه الزيادة عن تريليونات عدة من الدولارات. وفي الوقت نفسه فإن الأسعار الهابطة اليوم (أو الانكماش) ستتحول في النهاية إلى تضخم حين يبدأ تخفيف القيود النقدية في التأثير على استقرار الأسعار.

لا شك أن البعض قد ينظر إلى تحركات العملة الرئيسية أثناء العام الماضي باعتبارها تطبيعاً، وقياساً على القوة الشرائية (الوسيلة الخام لقياس ما تستطيع العملات المختلفة أن تشتريه من السلع الحقيقية)، فإن اليورو كان مبالغاً في تقدير قيمته إلى حد السخف، إذ بلغت قيمته 1.6 دولار أميركي، تماماً كما كان الين مبالغاً في تخفيض قيمته أمام الدولار (120 يناً في مقابل الدولار). وكان على أسعار عملات السلع الأساسية أن تنزل من عليائها.

وعلى هذا فإن اتجاهات العملة أثناء العام الماضي كانت -إلى حد ما- سبباً في إحداث نوع من التوازن النسبي الأفضل في مستويات الأسعار المحلية وأسعار الصرف. ولكن ربما تكون أسعار صرف عملات الأسواق الناشئة الآن، وربما أيضاً أسعار عملات السلع الأساسية بصورة أكثر حدة، قد تجاوزت الجانب الهابط.

في الأمد البعيد، سوف تستأنف العولمة نشاطها ويعود التقارب الاقتصادي، وسيكون لزاماً على عملات الأسواق الناشئة وعملات السلع الأساسية أن تقوي نفسها. وفي الوقت نفسه لابد لاحتمالات ارتفاع مستويات التضخم والدَّين العام في الولايات المتحدة أن تلقي بثقلها على الدولار في نهاية المطاف، تماماً كما فعل العجز التجاري المزعج الذي تعانيه الولايات المتحدة الآن. أما بالنسبة للين فسوف يعاني أيضاً نتيجة للارتفاع المستمر في مستويات الدَّين العام في اليابان، والتي أصبحت بالفعل من بين أعلى المعدلات في العالم. ولا شك أن استمرار ضعف الاقتصاد الياباني سيؤثر على الين في النهاية.

إذا كانت أسعار الصرف اليوم تمثل مبالغة في تقييم الدولار والين، خصوصا في مقابل عملات الأسواق الناشئة، فمتى يتحول هذا الميل نحو الاتجاه المعاكس؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتوقف على الرد على سؤال آخر: متى في اعتقادك قد تنتهي الأزمة المالية الحالية؟ إن التكهن بموعد دقيق لانتهاء هذه الأزمة لا يقل صعوبة عن محاولة التكهن بأسعار الصرف. ولكن حين تنتهي الأزمة بالفعل سنرى كيف ينعكس اتجاه الدولار والين على نحو خاطف.

* كينيث روغوف | Kenneth Rogoff ، أستاذ علوم الاقتصاد والسياسات العامة بجامعة هارفارد، وكان يشغل سابقاً منصب كبير خبراء صندوق النقد الدولي

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top