فقط في أميركا
تربطني بالانتخابات الأميركية علاقة حميمية خاصة، أعشقها بكل تفاصيلها. الخطابات وملصقات السيارات واللافتات الصغيرة في حدائق المنازل والإعلانات التلفزيونية، وطرق الأبواب ورنين الهاتف من متطوعي الحملات، وتفاعل الإعلام ومقالات النيويورك تايمز والواشنطن بوست، والتحليلات المتباينة ما بين قنوات FOX المحافظة وMSNBC الليبرالية وCNN المحترفة، والمناظرات والاستطلاعات وتحوير الطرح «spin» الذي يقوم به قادة الحملات، وبرامج الكوميديا الليلية التي تقتات على سقطات المرشحين.كنت قد حططت في أميركا في خريف 2000 وشهدت اشتداد التنافس بين بوش وغور، وشهدت انتخابات 2004 منذ بدايتها، والتقيت ببعض المرشحين خلال زيارتهم إلى جامعتي، وكتبت تحليلاً أسبوعياً لمجلة «نبراس» طوال الحملة، وكنت بكل ما سبق أعتقد أنني محظوظ لأنني شهدت عن قرب أمتع حملتين انتخابيتين عرفتهما أميركا. إلى أن أتى ذاك «الفتى الأسود النحيف ذو الاسم الغريب» –باراك أوباما- بحملته الانتخابية التاريخية ليثبت القول الأميركي المشهور «القادم هو الأفضل» «the best is yet to come» ويشعرني بحسرة لعدم وجودي في أميركا هذه المرة لعيش الأجواء الانتخابية عن قرب.
مع فوز أوباما بالمنصب الأقوى في العالم، تثبت أميركا مرة أخرى أنه كلما واجه العالم استحقاقاً تاريخياً، فإنها حتماً في كرسي القيادة، فقصة صعود نجم أوباما من عائلة مشتتة من الطبقة الوسطى كابن لأب أفريقي وأم أميركية قامت بتربيته جدته البيضاء، وتدرجه التعليمي والسياسي إلى أن أصبح أول رئيس أميركي يمثل أقلية بعد 44 عاماً فقط من حصول السود على حقوقهم المدنية، هي قصة تحدث فقط في أميركا. إن الذين راهنوا على النعرة العنصرية في أميركا، يجهلون أن التاريخ يشهد بأنه على الرغم من واقعية هذا النوع من الرهان في بعض المحطات الزمنية، فإن ذلك الواقع يتغير دائماً بقيادة أميركا. إذ تم الرهان على قدرة الولايات الأميركية على الاتحاد، وعلى حصول المرأة الأميركية على حقها السياسي ونجاحها في الانتخابات، وعلى حصول السود على حقوقهم المدنية، وعلى ترشيح الحزبين الأساسيين لامرأة أو أسود لانتخابات الرئاسة، وفي كل تلك الاستحقاقات كسبت أميركا الرهان وقادت العالم إلى تغيير تلك القناعات. عندما وقع الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون قوانين الحقوق المدنية للسود، قال «سوف يخسر الحزب الديمقراطي ولايات الجنوب لجيل كامل»، وهذا بالفعل ما حصل، ولكن لم يتراجع الديمقراطيون عن تبنيهم قضايا المساواة والحقوق المدنية للأقليات، وها نحن بعد أربعة عقود نرى مثالاً لتصويب الديمقراطية نفسها وتطهيرها من تلك النعرات المتخلفة عندما يترسخ الإيمان بها والثقة بنظامها التي كتب عنها الزميل جاسم القامس في 22 أكتوبر. لأميركا سقطاتها العديدة، ولكن لديمقراطيتها دروس وعبر تطوي صفحات التاريخ واحدة تلو الأخرى.Dessertبينما يحتفل العالم بنضوج الديمقراطية والانفتاح وتقبل ما هو مختلف، محزن أن تصحو خمس أسر من نومها لتجد هويتها الكويتية انتزعت منها بـ«شخطة قلم» في مجلس الوزراء لحماية رئيسه من إحدى الممارسات الديمقراطية.