المرشح وما يطلبه الناخبون!

نشر في 08-05-2008
آخر تحديث 08-05-2008 | 00:00
 حمد نايف العنزي

ابحثوا عن قلة من المرشحين الصادقين مع أنفسهم قبل صدقهم مع الآخرين، والصرحاء حتى إن كانت صراحتهم تؤلمكم، ومَن لديهم الشجاعة في طرح قناعاتهم التي يؤمنون بها حقاً، وإن خالفوكم في الرأي والتوجه، فهؤلاء أفضل ألف مرة ممَن يعدونكم بالأوهام.

إن كنت ممَن يتحدث إلى جمع غفير من الناس من دون أن يرتبك أو تتداخل أفكاره، فأنت تملك موهبة لا يملكها كثيرون، فالخطابة فن وموهبة تصقل بالتدريب وتتطور بالاعتياد على مواجهة الجمهور، وهي سلاح لا غنى لأي مرشح عنه في فترة الانتخابات لإقناع الناخبين بقدراته وكفاءته!

قال لي صديق في إحدى المرات إنه حين يتحدث أمام مجموعة من الناس «يتدوده» ويتلعثم ويضيع منه الكلام، ولا يكاد ينطق بجملة مفيدة، وينسى كل ما كان يريد قوله، وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعله يحجم عن الترشح لمجلس الأمة، حيث تقف هذه المشكلة عقبة في طريقه، رغم أنه لا يقل عن أي من المرشحين كفاءة وقدرة «هذا ما يظنه هو على أية حال»!

قلت له: مشكلتك ليست صعبة، وبإمكانك التغلب عليها بالمران والممارسة، قال: كيف؟... قلت: بسيطة، تجمع الأولاد والمدام وتجلسهم في صفوف وتتخيلهم ناخبي دائرتك، ثم تلقي عليهم خطبة عصماء عن الوضع السياسي في البلد؛ المشاكل والحلول!

واستدركت قائلاً: «بلاش من المدام والأولاد، بعدين تخربط أمامهم وتطيح من عيونهم»، توجه إلى العمال الإيرانيين الذين يعملون في بيتك الجديد وقت الغداء وخذ معك «شوية خبز إيراني، رقيه، وشدتين فجل»، وحين يبدأ الشباب في التهام وجبتهم الشهية، ابدأ أنت بطرح برنامجك الانتخابي عليهم وأسهب في شرحه، ولا تخش شيئاً، لأنهم لن يفهموا كلمة مما تقول، وسيظنونك قد أصبحت أحمق من مشاكل البناء، كرر العملية ثلاث مرات في الأسبوع وصدقني خلال ثلاثة أسابيع، ستكون أكثر بلاغة وفصاحة من المرشحين السابقين واللاحقين كلهم!

لم يرق له حديثي، فنظرإليّ طويلاً ثم قال: «تنكت حضرتك»؟!

من متابعتي لندوات المرشحين أستطيع أن أؤكد أنهم لا يعانون ما يعانيه صديقي، بل إنني أحسدهم على قدرتهم على الحديث المتواصل وبسرعة وطلاقة وكأنهم يحفظون الكلام عن ظهر غيب، إلا أنني كنت أتساءل دائماً وأنا أسمعهم، هل ما يقولونه نابع حقاً من قناعة شخصية أم لأن «الجمهور عايز كده»؟! وهل تُملى وجوه الحاضرين ووضعهم المناطقي والطبقي والقبلي على المرشح ما يقوله أثناء الندوة؟! هل ألسنتهم تقول ما يدور في أذهانهم وضمائرهم أم تقرأ ما يدور في رؤوس الحاضرين؟

دقق في أي عبارة تقرأها في الصحف لمرشح من المرشحين- المستقلين غالباً- وستعرف من خلالها نوع الجمهور الذي وجهت له هذه العبارة، على سبيل المثال عبارات مثل «القبيلة خط أحمر- لا لإزالة الدواوين- الفرعية حق من حقوقنا- سأستجوب وزير الداخلية بعد نجاحي»، لا يقولها سوى مرشح «قبلي- فرعي» لجمهور من أبناء قبيلته يعرفهم جيداً ويعرف ما يريدون سماعه منه!

أما المرشح الذي قال إن «زيادة الرواتب تكلف الدولة الكثير- إقرار بنك جابر هدر لفوائض الدولة- لا لجدولة القروض» فلابد أنه رأى وجوه القوم «راهية» ولا حاجة لها بزيادة رواتب أو إسقاط قروض أو بنك جابر أو خلافه، ولذلك فقد قال لهم ما يشنف أسماعهم و «يعور» قلوب غيرهم!

بعكس ذلك النائب الذي احتوته جموع من «مقرودي الدخل» فراح يقدم لهم الوعود «الوردية» سوف أسقط القروض- سأطالب بمضاعفة الرواتب- سأحل المشكلة الإسكانية- سأجنس أقرباءكم البدون- سأوظف أبناءكم كلهم»!

بعد سلسلة الوعود «الخارقة» هذه، من الطبيعي أن يسمع تصفيقاً حاداً، وأن يبتسم طبعا!

أرجوكم... وسط هذه الخطابات الانتخابية المتلونة، ابحثوا عن قلة من المرشحين الصادقين مع أنفسهم قبل صدقهم مع الآخرين، والصرحاء حتى إن كانت صراحتهم تؤلمكم، ومَن لديهم الشجاعة في طرح قناعاتهم التي يؤمنون بها حقاً، وإن خالفوكم في الرأي والتوجه، فهؤلاء أفضل ألف مرة ممَن يعدونكم بالأوهام، ويسمعونكم ما تودون سماعه وهم يعلمون أن كله «خرطي بخرطي»، فالمهم عندهم هو «ما يطلبه الناخبون» لأنه سيوصلهم إلى المجلس، وبعدين يصير خير... أو شر... الله أعلم!

back to top