الفرق كبير وهائل بين الحضور الإيراني والحضور التركي في المشهد العربي الحالي، فإيران، التي كان ياسر عرفات عندما زارها في مثل هذه الأيام قبل ثلاثين عاماً قد قال، بعد أنْ التقى آية الله الخميني، وبارك له انتصار ثورته، إنه بات يشعر بأن العمق العربي بات يصل الى أصفهان، بادرت على الفور بعد انتصار ثورتها مباشرة الى مدّ يدها نحو الدول العربية القريبة، والى التدخل السافر في الشؤون الداخلية لهذه الدول، والسعي إلى تصدير ثورتها إليها وفقاً للنسخة الخمينية.
كان الاعتقاد بعد انهيار عرش الطاؤوس وسقوط إمبراطورية الشاه محمد رضا بهلوي أن نظام الثورة المنتصرة الجديد سيتخذ مساراً تجاه الجوار العربي غير المسار السابق، وأنه من قبيل طمأنة «الأشقاء»، ومن قبيل إظهار حسن النوايا سيتخلى عن احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وسيتخلى أيضاً عن دور شرطيّ المنطقة، وسيجعل العلاقات مع العرب مبنية على الاحترام المتبادل، وعلى المصالح المشتركة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. لكن هذا لم يحصل بل أصر الإمام الخميني، رحمه الله، على ضرورة تصدير الثورة وبسرعة الى العراق أولاً، ثم الى دول عربية أخرى، وأصر على ان هذه الجزر الثلاث، الآنفة الذكر، إيرانية، وأنها ستبقى إيرانية الى الأبد، وأن الخليج بضفتيه لا هو عربي ولا إسلامي، بل فارسي، وسيبقى فارسياً... وهذا ما بقيت تصر عليه إيران منذ ذلك الحين وحتى الآن. وحقيقة ان إيران لم تتخـل عن «شعوبيتها»، التي كانت بدأت مبكراً، واستمرت، في العهد الصفوي والعهد الشاهنشاهي، وأيضاً في عهد هذه الثورة التي بلغت الثلاثين من عمرها قبل أيام، في إظهار كره شديد للعرب واحتقارهم وعدم احترام ثقافتهم، بل واعتبارهم بدواً غلاظ الأكْباد بلا حضارة ولا ثقافة، وانهم ارتكبوا جريمة تاريخية بتحطيمهم إمبراطورية فارس، وتدمير الحضارة الفارسية التي يرفض المعممون بالعمائم السوداء الاعتراف بحضارة غيرها في هذه المنطقة. أما تركيا ورغم المرارة التي شعرت بها لوقوف العرب ضدها في الحرب العالمية الأولى فإنها، فلم تُبدِ حتى في ذروة عهد مصطفى كمال «أتاتورك» ما أبدته الثورة الإيرانية من عداء للأمة العربية، ومن أطماع في الجوار العربي، ولذلك فإنها عندما تبدأ هذا الانفتاح الذي بدأته في عهد نظامها الإسلامي المعتدل على شركائها لنحو أربعمئة عام في إطار دولة الخلافة العثمانية فإنها لا تجد إلا الترحيب، وإنها لا تثير أي مخاوف لدى حتى القوى والأحزاب والتيارات القومية. لا يرفض العرب ان يكون عمقهم إسلامياً، لكنهم يرفضون رفضاً قاطعاً ان يكونوا ملحقين بإيران وتابعين لها، وأن تنظر إيران إليهم حتى في عهد ثورتها «الإسلامية» على أنهم رعاة إبل غلاظ أكباد لا حضارة لهم ولا ثقافة، وهذا لم يشعر به أبناء الأمة العربية بالنسبة إلى تركيا، لا الآن ولا في السابق ولا في أي يوم من الأيام.كاتب وسياسي أردني
مقالات
العرب والجارتان العزيزتان!
22-02-2009