حكومة دولة صغيرة كالكويت ليس باستطاعتها استيعاب الثلاثمئة ألف مواطن الذين سيدخلون سوق العمل خلال العقدين المقبلين، لذلك لابد من إشراك القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد وخلق فرص العمل، وأبرز عقبة أمام تحقيق ذلك هو الطرح الشعبوي الذي يتبناه معظم النواب.

Ad

المطالبات النيابية المتكررة للحكومة بتوظيف المواطنين، وآخرها تصريح التكتل الشعبي بتاريخ 25 يوليو الذي هاجم فيه الوزارات لعدم قدرتها على إيجاد فرص عمل لطالبي الوظيفة «لأن الدولة ملزمة بتوظيفهم»، تنم عن جهل بدور الدولة في توفير فرص العمل طبقاً للمادة (41) من الدستور، التي تنص على أن «لكل كويتي الحق في العمل... وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين»، إذ لابد من فهم قصد المشرع قبل تحميل الحكومة المسؤولية، فقد ورد في المذكرة التفسيرية للدستور أن «هذه المادة لا تعني حق كل فرد في إلزام الدولة بأن توفر له عملاً وإلا تعرضت للمسؤولية، وذلك لأن التزام الدولة بهذا الخصوص محدود بإمكانياتها، ولذلك قالت العبارة الأخيرة من المادة «وتقوم الدولة على توفيره للمواطنين» ولم تقل «وتوفر الدولة العمل للمواطنين».

محدودية إمكانيات الدولة الواردة في المذكرة التفسيرية يمكن فهمها في المثال التالي: فلنفترض أن هناك بقالة يبلغ إيرادها الشهري 1000 دينار، بينما تبلغ مصروفاتها 900 دينار منها 300 لثلاثة عمال، وبذلك تكون قد بلغت أقصى طاقتها الاستيعابية من حيث المساحة والمصروفات، وذات يوم تقدم شخص بطلب للعمل، إلا أن البقالة لا تحتمل توظيف عامل رابع لأن المصروفات سوف تفوق الإيرادات، كما أن التوسع بنشاطها سيزيد من مصروفاتها ولن يؤدي إلى زيادة إيراداتها لأن عدد زبائنها ثابت، لذلك اقترح المالك على طالب الوظيفة التوجه إلى بقالات أخرى باستطاعتها توظيفه.

المنطق نفسه يمكن تطبيقه على الدولة مع اختلاف حجم المعطيات، فهناك حد أقصى لعدد الوظائف التي تستطيع الحكومة أن تستوعبها، وليس باستطاعتها التوسع في نشاطها إلى درجة عدم قدرة إيراداتها على تغطية مصروفاتها، لذلك عليها توجيه طالبي الوظيفة إلى غيرها كالقطاع الخاص. إذن ما قصده المشرع هو مفهوم الطاقة الاستيعابية القصوى، والتي تنطبق على أي كيان مؤسسي سواء كان بقالة أم مصنعاً أم شركة أم -في هذه الحالة- دولة.

إذن كيف تقوم الدولة على توفير العمل للمواطنين من دون توظيفهم في الوزارات؟ يتم ذلك من خلال تبني الحكومة سياسة اقتصادية تحقق نمواً اقتصادياً يخلق فرص العمل، ويتم ذلك عبر تحرير قطاعات الخدمات والمشاريع، كالكهرباء والماء والهاتف والإسكان مثلاً، من قبضة الحكومة وتسليمها للقطاع الخاص، فحكومة دولة صغيرة كالكويت ليس باستطاعتها استيعاب الثلاثمئة ألف مواطن الذين سيدخلون سوق العمل خلال العقدين المقبلين، لذلك لابد من إشراك القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد وخلق فرص العمل، وأبرز عقبة أمام تحقيق ذلك هو الطرح الشعبوي الذي يتبناه معظم النواب المتمثل بتضخيم رواتب وميزات الوظائف الحكومية، وهو ما يصعب مهمة القطاع الخاص في جذب الشباب الكويتي إليه مقارنة بمنافسيهم من العمالة الأجنبية.

Dessert

شركتان فقط للاتصالات المتنقلة نجحتا في خلق أكثر من أربعة آلاف فرصة عمل للشباب الكويتي. هذا مثال على ما يمكن أن يقدمه القطاع الخاص للوطن. لو ظل قطاع الاتصالات بيد الحكومة، لما كان قد تعدى حجمه سوى إدارة في وزارة المواصلات لا يزيد عدد موظفيها على مئة موظف نصفهم لا يداومون.