للتطرف في العالم الثالث أسباب سياسية واجتماعية واضحة كالدكتاتورية السياسية والانغلاق الاجتماعي والطبقية وأحادية الثقافة وعدم توازن التعليم والتنشئة القسرية، وهي في مجملها عوامل مؤثرة بشكل كبير، ولكنها لا تفسر الظاهرة بشكل شامل.

Ad

الشباب كمرحلة عمرية تتميز بالنشاط والعنفوان والحماس والطاقة التي كثيرا ما «تدجن» في مراحل العمر اللاحقة أو تختفي، وهذا طبيعي وحميد كونه يجدد دماء الحركة الاجتماعية والسياسية ويطور الحضارة الإنسانية بشكل عام. كما أن تحول هذا الحماس الشبابي إلى تطرف (سواء فكري، أو روحاني أو جسدي) طبيعي بنسب معينة في كل المجتمعات، ولكن تحول التطرف إلى ظاهرة ليس مرحلة طبيعية أو مقبولة لأي فئة عمرية أو اجتماعية.

من أهم وأخطر ظواهر العالم الثالث بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص هو تطرف الشباب، وهي وإن كانت ظاهرة قديمة نسبيا إلا أنها تزداد قوة على الكثير من الصعد، لعل أوضحها التطرف الفكري، ورغم التركيز على التطرف الديني أو الطائفي فإنني أرى التطرف حتى في من يشكل الطرف النقيض أو الكثير من المدارس الفكرية الأخرى، وحتى يتضح مدى صحة هذا الاستنتاج لابد من البدء بتعريف التطرف.

أحد التعريفات الأكاديمية للتطرف هو الفكر أو التعامل أو السياسة التي تجنح إلى التصلب أو الجمود أو رفض التفاوض، كما أن المصطلح يشير إلى الجماعات التي تتقوقع على نفسها، وتعتبر كل من خارجها لا أخلاقيا أو غير مقبول. وكثيرا ما يستخدم المصطلح للإشارة إلى الجماعات التي تشذ بشكل حاد عن المفاهيم العامة والأعراف، وعادة ما يرتبط التطرف باستخدام العنف تجاه الآخر، والتطرف بشكل عام عكس الانفتاح والمرونة والتسامح.

وقد ارتبط مصطلح التطرف بالإرهاب والتعصب الديني، ولكن ذلك تعريف ضيق للتطرف، فالعالم يزخر بأشكال التطرف الفكري والسياسي المختلفة، وقائمة المنظمات الإرهابية تضم منظمات عرقية وشيوعية وعلمانية وحتى بيئية. من ناحية أخرى شكّل التطرف ظاهرة في مرحلة ما من تاريخ كل حضارة، إلا أن بعض الحضارات نجح دون غيره في تحجيم ونبذ التطرف وتعزيز مفهوم التسامح والانفتاح الفكري.

وللتطرف في العالم الثالث أسباب سياسية واجتماعية واضحة كالدكتاتورية السياسية والانغلاق الاجتماعي والطبقية وأحادية الثقافة وعدم توازن التعليم والتنشئة القسرية، وهي في مجملها عوامل مؤثرة بشكل كبير، ولكنها لا تفسر الظاهرة بشكل شامل. فتلك وإن كانت تنطبق على الكثير من شعوب المنطقة والعالم الثالث إلا أنها لا تجيب عن هذه الأسئلة: لمَ تتطرف جماعات في دول تعتبر من أغنى دول العالم مثل دول الخليج؟ ولماذا يتطرف المتعلمون والمثقفون؟ وكيف يمكن أن تكون الجماعات المناهضة لتطرف المتدينين أكثر تطرفا وتخلفا؟ ولماذا، رغم الانفتاح على الغرب والدراسة في الخارج والأموال والموارد المتوافرة، لم تظهر في المنطقة حركة مدنية واضحة تدعو إلى التسامح والانفتاح بنفس قوة وتأثير القوى المتطرفة؟