توجهت مطلع الأسبوع إلى مدينة الشيخ سعد العبدالله، لتقديم واجب العزاء في والدة أحد الأصدقاء، فأدخلت عنوان العزاء في جهاز التموضع عبر الأقمار الصناعية، المعروف بالـ«GPS»، لكن محاولاتي فشلت، إذ لم يتعرف الجهاز على المدينة.

Ad

سألت أحد الأصدقاء عن الإرشادات، في أثناء الطريق، فهاتفني بعد أن استمهلني إلى حين البحث عنها في الإنترنت، ليجدها حسب أحد المواقع الالكترونية، على تخوم مدينة الجهراء، حينما تصلها قادما من منطقة الصليبيخات.

توجهت إلى مقصدي، معتمدا على العلامات الإرشادية، فزرعت طريق الجهراء، ذهاباً وإياباً، فاستوقفني بداية منظر منطاد كبير رابض وسط منطقة عسكرية، ورأيت بعده نقطة شرطة على أول طريق العبدلي، فعلمت أنني ضللت الطريق.

عدت ثانية على الطريق نفسه، فانتهيت إلى منطقة الدوحة، فتوجهت إلى شارع آخر فوجدتني قرب مقبرة الجهراء، ورغم أنني كنت حريصا على تفقد كل اللوحات الإرشادية، إلا أنني لم أجد علامة واحدة تبيّن أين هي هذه المدينة الضائعة، عدا لوحات إعلانية لمشروع إسكاني سيُقام فيها.

كانت العلامة الأبرز التي تؤكد أنني مازلت في الكويت، أنني لم أتلقَ رسالة على هاتفي النقال تفيد بأن «سفارة دولة الكويت في الجهراء ترحب بكم»، فحادثت عدداً من أصدقائي «الجهراويين»، ليرشدوني إلى وجهتي، متندّرا على جهالتي بالطريق، فلاحظت أنهم يتعاطون مع المواقع في مدينتهم وكأنها مسلّمات، فجميعهم مثلا أكدوا أن مدينة سعد العبدالله تقع قرب معسكر القوة البرية قبل «سكراب أمغرة»، مع العلم بأن هذه التسميات غير معروفة للعبد لله المنتمي إلى جماعة داخل السور، ليس لكوني «أزرق» الدم، بل لأن معظم أنشطتي اليومية تتمركز داخل شارع السور، فعلمت منهم أن المدينة الضائعة المسمّاة باسم الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله، غير موجودة سوى على صفحات المعاملات الرسمية، لأن قاطنيها لايزالون يعرفونها باسم جنوب الجهراء.

ووسط تداخل التوجيهات، تهت ودخلت الجهراء، باحثاً عمن يدلني إلى مدينتي الضائعة، فلمست سلوكيات غريبة، منها إعلانات الشكر والحاجة المنصوبة على الأرصفة أو المعلقة على أعمدة النور، وكأنني خارج حدود الكويت التي أعرفها، وعلمت أن الكويت التي أعرفها ليست هي الكويت التي أراها أمامي، فبلادي أصبحت الآن خليط مجتمعات، لها قواعدها وسلوكياتها المستقلة، وليست مجتمعا واحدا منصهرا تحت سلطة الدولة، كما تحاول الحكومة أن تقنعنا بذلك.

وبعد تناوب خمسة أشخاص على إيصالي إلى مدينة سعد العبدالله، بلغت حدود المدينة الضائعة، فلم تكن سوى صحراء وشارع متعرج على الـ«GPS»، أما على الأرض، فهي مدينة قائمة تحتوي مدارس وبيوتاً ومساجد متراصّة، واستوقفني وقتها أن بلدية الكويت، وضعت علاماتها الإرشادية ودليل القطع داخل المدينة، ونسيت أن تدل مَنْ يريد الوصول إلى المدينة الضائعة من الشارع العام.

ورغم أن المدينة سُمِّيت باسم الأمير الوالد الشيخ الراحل سعد العبدالله، فإنها لاتزال منسية لدى الدولة، ربما كمن سميت باسمه، كما قادتني الملاحظة إلى أن معظم المناطق السكنية التي ظهرت بالكويت في فترة ما بعد التحرير، تحولت إلى «إقطاعيات» تطلق عليها أسماء أبناء الأسرة الحاكمة، وسأكتفي هنا بهذا القدر، ولن أتطرق إلى تسميات المراكز الصحية والمجتمعية والشوارع، التي تؤكد أننا أمام واقع جديد، قوامه نحن في مواجهة أبناء الأسرة الحاكمة، إعمالاً لمبدأ حسن النية.