البقاء لله
«ينعى المواطن العربي– بلا أسى ولا حزن- التضامن العربي الذي وافته المنية بالأمس بعد عقدين من الزمان قضاهما في العناية المركزة، نظراً لوفاته إكلينيكيا، وقد حضر تشييع الفقيد بعض القادة والحكام العرب، بينما أصر آخرون على الغياب تأكيدا للوفاة.
ويؤكد المواطن العربي أن الوفاة لم تحدث نتيجة عمل إرهابي أو مؤامرة تخريبية خارجية، ولكنها كانت نتيجة طبيعية لغياب حكمة الرؤساء وتجاهلهم مصلحة شعوبهم ومستقبل أمتهم، فلم يهتموا برعاية المريض أو علاجه، بل ساهموا جميعا في نزع أنابيب الأكسجين وأجهزة التنفس الصناعي مما أدى في النهاية إلى إعلان الوفاة... والبقاء لله».هذا بيان تخيلي لم يكتبه وزراء الخارجية ولن يقرأه الحكام العرب ليوقعوه، ولكنه يعبر عن خيبة أمل المواطن العربي، وكما جاء المقال السابق «فاصل ونواصل» توقعا لما سيحدث، جاء هذا المقال تأكيدا لما حدث ولا يعلم أحد، لماذا هذه القمم؟ وما جدواها للشعوب العربية؟لقد أنشئت جامعة الدول العربية في عام 1945 كي تكون جامعة للشعوب التي حرمها الاستعمار التعاون والتكامل، وفرض حدودا وأقام سدودا فيما بينها، وبعد حوالي 20 عاماً بدأت مؤتمرات القمة، فهل كانت الجامعة أفضل من دون قمم ومؤتمرات؟ وهل ساهمت القمم العربية في جمع الشعوب وتحقيق آمالها؟ أم كانت سببا في زيادة آلامها وإصابتها باليأس والإحباط؟ من المفترض أن تنظر القمة إلى الأمام، وتضع خططا للمستقبل تحقق أماني الشعوب وازدهار معيشتها، ولكنها للأسف تعيش الماضي وكل اهتمامها مصافحة الرؤساء ومصالحتهم، وهذا قمة الإنجاز ومنتهى الآمال ومبلغ الأحلام، فهل هذا دوركم يا حكام العرب: تختلفون وتختصمون ثم تفرحون وتهللون عندما تتصافحون؟!قد يرى البعض– كما تؤكد أجهزة الإعلام في المصالحة الليبية السعودية- قمة النجاح وروعة الأداء، بينما الحقيقة تدعو الجميع إلى إعادة الاستماع وقراءة المداخلة التي حدثت بين إمام المسلمين وعميد الحكام وملك إفريقيا... إلخ، وبين أمير قطر ليدرك على الفور هشاشة المصالحة، فلا عمق فيها ولا قيمة لها، فما جدوى أن يثبّت كل طرف خطأ غيره ولا يقر بخطئه؟غضب الرئيس اليمني ورحيله فلا جديد فيه، وهو أمر اعتاده المواطن العربي، وإن تبادله الحكام بصورة دورية... ولا أدري كيف يستقيم إصرار البعض على الغياب والنزول بمستوى التمثيل مع التقدير والاحترام المتبادل اللذين تحدث عنهما وزير خارجية قطر؟! ولماذا يسعى البعض إلى الضحك على المواطن العربي والسخرية منه بمثل هذه الادعاءات التي يعلم مطلقوها قبل غيرهم أنها كذب وخداع.لقد دعا كثيرون ومازالوا إلى إلغاء مؤتمرات القمة، وللأسف لن يستجاب لهذه الدعوة، فمازالت الحكومات تعتبرها مخدرا للشعوب تضحك بها عليهم، وقد اعتادها الحكام وأدمنوها فلن تجدي المطالبة بإلغائها ولكن تمشيا مع طرق العلاج الحديثة نطالبهم– مرحليا- بتباعد الفترة بينها «فمنذ أصبحت المؤتمرات سنوية والخلافات في ازدياد» فلماذا لا نجعل اجتماع الزعماء لالتقاط صورة المصافحة وشكر الدولة المضيفة والثناء على رئيس القمة كل سنتين أو ثلاث لمدة دورتين، ثم كل 5 سنوات لمدة 3 دورات وتلقائيا ستختفي المؤتمرات ويسعد المواطن.لقد أصبحت آمال المواطن العربي وأحلامه أسيرة للقمم العربية، وهي بدورها سجينة أهواء الحكام المرهونة بإرث الماضي وخلافاتهم الشخصية فمتى يتحرر المواطن العربي من سجنه الأبدي المسمى «القمة العربية»؟