ما الذي يحركنا؟
كل إنسان يملك خليطا من الدوافع الراقية الثلاثة (الانتماء، والسلطة، والإنجاز). ولكن لكل إنسان درجة أعلى من أحدهما عن الآخرين. وهذا الخليط هو الذي يشكل شخصية الإنسان وقيمه. وتشير الأبحاث أن الشعوب الشرقية بشكل عام يغلب على أفرادها دافع «الانتماء» في حين يطغى «الإنجاز» على الشعوب الغربية المتقدمة.يعتقد الكثيرون أن المال/المادة هو الدافع لعملهم وحركتهم وتفاعلهم مع الآخرين. ولكن المال وسيلة وليس غاية. فأحدهم يجمع المال ليكوِّن أسرة كبيرة يعتني بها، وآخر يستخدم المال لإدارة حملة انتخابية كبيرة (وربما شراء أصوات) ليصل إلى منصب سياسي مؤثر. وآخر يسعى للمال لرعاية بحث/دراسة يشكل شغفاً عميقاً بالنسبة له.
تؤكد الأبحاث أن الدوافع الإنسانية تنحصر في أربعة جوانب رئيسية لا خامس لها وهي الحماية، والسلطة، والانتماء والإنجاز. ويقصد بالحماية حماية النفس من الأذى/الضرر كالجوع أو الألم أو الخوف. وهذا الدافع غريزي وبدائي ونادرا ما يشكل الدافع أو المحرك للتطور. الدوافع المتقدمة أو الراقية (السلطة والانتماء والإنجاز) لا يشعر بها الإنسان إلا بعدما يُشبع الدافع البدائي (الحماية). ودافع السلطة هو الرغبة في السيطرة وتغيير مجرى الأحداث. وهو الدافع المحرك للساسة بشكل رئيسي. وهو الدافع وراء الصراعات التاريخية ونمو الإمبراطوريات وتغير الخرائط السياسية والاقتصادية. أما دافع الانتماء فهو الرغبة في الانضمام إلى وحدة اجتماعية تحقق للفرد الإشباع العاطفي. وهذه الوحدة قد تكون الأسرة أو العائلة أو القبيلة أو الوطن. وتتسع الوحدة الاجتماعية بحسب قدرتها على رعاية الفرد وتحقيق شعوره بالانتماء والترابط. وعادة ما يتحدد طموح الأفراد المتحركين بدافع الانتماء بحماية وتعزيز الوحدة الاجتماعية التي ينتمون إليها.دافع الإنجاز يولِّد الرضا عن الذات عند تحقيق هدف صعب. وهو عادة ما يحرك الباحثين والعلماء والخبراء الذين يعملون دون مقابل مادي أحيانا يدفعهم شغفهم بكشف المجهول وتحقيق الأهداف التي وضعوها نصب أعينهم حتى إن كان ذلك بعيداً عن أعين / تقدير الآخرين.وكل إنسان يملك خليطاً من الدوافع الراقية الثلاثة (الانتماء، والسلطة، والإنجاز). ولكن لكل إنسان درجة أعلى من أحدهما عن الآخرين. وهذا الخليط هو الذي يشكل شخصية الإنسان وقيمه وبالنهاية خياراته في الحياة (علاقاته، مهاراته، مهنته... إلخ). وتشير الأبحاث أن الشعوب الشرقية بشكل عام يغلب على أفرادها دافع «الانتماء» في حين يطغى «الإنجاز» على الشعوب الغربية المتقدمة. ويتشكل خليط الدوافع في مراحل مبكرة من عمر الإنسان بمزيج من العوامل البيئية والجينية. ولا يوجد دافع أفضل من غيره ، فالتنوع في الدوافع الراقية/المتقدمة مطلوب لتتكامل الجهود الإنسانية في بناء الحضارات. وعندما يشعر الفرد (أو الشعب) بتهديد دائم (سواء كان ذلك من خطر حقيقي أو وهمي) ينشغل الفرد (أو الشعب) بالاحتياجات البدائية/الغريزية ولا تشكل الدوافع الراقية دافعا في حركته. وعندها ينتفي دور هذا الفرد (أو الشعب) في التقدم والحضارة. فهل من الممكن أن تكون هذه مشكلتنا؟!