ماذا بعد وقف إطلاق النار في غزة ؟

نشر في 06-07-2008
آخر تحديث 06-07-2008 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت أخيراً، أصبحت الهدنة التي طالما انتظرناها بين إسرائيل و«حماس» في قطاع غزة حقيقة واقعة.

إن الوصول إلى هذه الحالة العصيبة لم يكن سهلاً. فلأشهر طويلة ظل الحكماء وأصحاب الضمائر يحضون إسرائيل على قبول وقف إطلاق النار الذي عرضته قيادة «حماس» في غزة. إلا أن حكومة إسرائيل قاومت بكل عناد، منتحلة كل الحجج والأعذار.

زعم المسؤولون الإسرائيليون أن من شأن الهدنة أن تضعف موقف الرئيس الفلسطيني أبو مازن، وكأن بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة في القدس الشرقية، ورفض تفكيك المستوطنات غير القانونية التي بنيت سابقاً، لم يضعفا موقفه بالفعل. أو كانوا يحتجون بأن «حماس لا تعترف بدولة إسرائيل»، وكأن اتفاقيات وقف إطلاق النار كلها مع الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية طوال الستين عاماً الماضية كانت مبنية على الاعتراف بإسرائيل، وليس على المبدأ الأخلاقي البسيط الذي أرشد إسرائيل طوال سنوات عديدة، والذي يتلخص في كسب برهة قصيرة من السلام والراحة من أعمال العنف والعداوة، لنا ولأعدائنا.

ولكن في النهاية تغلب المنطق على التردد والتهرب من الواقع، وتم التوقيع على اتفاق الهدنة، ولا نملك الآن إلا أن نشعر بالندم على كل الوقت الذي أهدِر والمعاناة غير الضرورية التي عاشها الجانبان.

في هذه الحرب المستمرة منذ ما يقرب من قرن من الزمان، من المهم أن يضع المرء قاعدة واحدة نصب عينيه؛ أن الفلسطينيين جيران إسرائيل ولسوف يعيشون جنباً إلى جنب مع الإسرائيليين إلى الأبد. وبسبب هذه الحقيقة البسيطة فإن الاعتبارات العسكرية في هذا السياق تختلف تماماً عن نظيراتها حين يكون الصراع بين دول غير متجاورة.

إن ذكريات الدم المراق، سواء كان إسرائيلياً أم فلسطينياً، تظل حية في قلوب كل من الشعبين. وهذا يعني أن وقف الأعمال العدائية على الفور يشكل أهمية أعظم من «استسلام» خيالي في المستقبل البعيد.

كان إطلاق خمسة صواريخ من نوع القسَّام على إسرائيل بعد خمسة أيام من توقيع اتفاق الهدنة بمنزلة الإشارة إلى هشاشة هذا الاتفاق، ولكن هل من الممكن أن يستمر ويتطور إلى شيء أكثر متانة؟ الحقيقة أن معارضي الهدنة يتوقعون -بل ويتمنون- أن تكون قصيرة الأجل.

ولكن حتى المتشككين يغذون العديد من الآمال. فلا شك أن هذه الهدنة الجديدة، إن كانت مجرد مناورة تكتيكية وإن لم تُـبذَل الجهود لتثبيتها وتعزيزها، فستتحول إلى مجرد حلقة أخرى في سلسلة طويلة من الحلقات المريرة. ولكن يتعين على كل من أدرك خطورة «شن هجوم عسكري شامل» على غزة أن يبذل قصارى جهده لتثبيت الهدنة ودعمها وإيجاد المناخ اللازم لتهدئة التوترات، على النحو الذي قد يدفع إسرائيل مع الوقت نحو عقد اتفاقية سلام مع السلطة الفلسطينية.

ماذا يتعين علينا أن نفعل إذن لتحقيق هذه الغاية؟ أولاً وقبل كل شيء لابد من إعادة فتح المعابر الحدودية بين إسرائيل والمناطق الفلسطينية أمام المرضى، والطلاب، والأسر التي تسبب الحصار في التفريق بين أفرادها.

ثانياً، لابد من تحديد حصة سخية (وقابلة للنمو مع الوقت) للعمال الفلسطينيين للعمل داخل إسرائيل، بل لابد من السماح لهم بالعمل في المراكز الزراعية المحيطة بغزة والتي كانت الأشد تأثراً بالهجمات الصاروخية. إن الفلسطينيين العاملين في إسرائيل خير للجانبين، وهم أفضل كثيراً من الأجانب القادمين من بلاد بعيدة والذين يعيشون حياة عزلة في إسرائيل، وتحت تهديد دائم بترحيلهم في أي وقت.

أما العمال الفلسطينيون الذين يعودون إلى بيوتهم في كل ليلة، فلن يتغربوا عن حياتهم الطبيعية المعتادة. ولا شك أن أهل غزة الذين يحصلون على حقهم الأخلاقي في كسب أرزاقهم في إسرائيل سيصبحون أنصاراً طبيعيين لصيانة الهدنة واستمرارها.

بالإضافة إلى ما سبق، لابد من إحياء المشاريع الصناعية السابقة، التي وقعت ضحية للأعمال العدائية، وإضفاء الشرعية عليها في نظر «حماس» عبر مشاركة الدولة العربية فيها. لابد أيضاً أن تتوقف إسرائيل عن قتل الإرهابيين المنتمين إلى «حماس» في الضفة الغربية -أو تمارس ذلك في أضيق الحدود على الأقل- ولابد من السماح للسلطة الفلسطينية بالتعامل معهم على طريقتها.

وفي المقام الأول من الأهمية، لابد أن نضمن للهدنة آلية تنشيط خاصة بها. ففي أوقات الحرب يعتاد الناس على الوضع الراهن ويصبح من الصعب عليهم أن يتخيلوا أي وضع آخر. ولكن حين تهدأ التوترات فإن فكرة العودة إلى حمل السلاح تصبح مؤلمة وغير مقبولة، حيث إنها تعني العودة إلى الخبرة الرهيبة المعتادة من المعاناة اليومية.

لذا، يتعين علينا ألا ننظر إلى هذه الهدنة باعتبارها مجرد قطعة من الورق تحمل بعض المغزى القانوني، بل يتعين علينا أن نعتبرها نبتة صغيرة تحتاج إلى من يرعاها ويرويها ويغذيها ويحميها، حتى تنمو وتتحول إلى شجرة قوية نابضة بالحياة ولا يمكن اقتلاعها من جذورها بسبب صاروخ قسّام تائه أو قنبلة طائشة.

* أفراهام يهوشوا ، أحد الروائيين البارزين في إسرائيل. وأحدث مؤلفاته رواية بعنوان «نيران صديقة».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top