يُلقّب الفنان الراحل حمد الرجيب بـ«الرائد الشامل»، أعطى للحركة الفنية عصارة ذهنه ومواهبه المتعددة الخلاقة في مجالات الكتابة والتلحين والتمثيل والتأليف الموسيقي، ومهّد لظهور المواهب الفنية الكويتية وتشجيعها، عندما كان مسؤولاً عن مركز الفنون الشعبية منذ إنشائه عام 1956.

Ad

ولد حمد عيسى جاسم الرجيب في الكويت، منطقة القبلة 1924. عندما بلغ السادسة من عمره، التحق بالمدرسة المباركية حيث تلقى مبادئ القراءة والكتابة والحساب والدين، كان من زملائه: حمود النصف، سليمان المشعان، فهد الدويري، الشيخ عبدالعزيز سعود الصباح، والشيخ ناصر سعود الصباح، وكان ناظر المباركية آنذاك المرحوم سيد عمر عاصم، أما الاساتذة فكان منهم: السيد عمر عاصم مدير المدرسة، ملا عثمان، ملا سالم الحسينان، ملا عبدالعزيز الفارس، ملا عبدالرحمن الدعيج، ملا اسماعيل، ملا ادريس الخطاط، ملا عبدالله العمر.

علاقته بالمسرح

دخل الرجيب عالم المسرح عام 1939، إذ مثل أول مسرحية في الكويت بعنوان «اسلام عمر»، وأدى فيها دورين: فاطمة أخت عمر، وسراقة، وكان ذلك في مدرسة المباركية، ثم ما لبثت المدارس بعد ذلك أن شهدت فرقا مدرسية تمثيلية عدة.

عمل في حقل التعليم ودرس في المدرسة «الشرقية»، وكان في الوقت نفسه يتلقى علومه في المدرسة المباركية، فكان مدرّسا وطالبا في آن. عام 1942 وبعد أن أنهى الصف الثالث الثانوي، عيِّن مدرسا رسميا من قبل مجلس المعارف في مدرسة «الاحمدية»، درّس فيها مواد متنوعة، كالجغرافيا والتاريخ والحساب والأناشيد والتربية الدينية، ثم أصبح بعد ذلك وكيلا لها.

بعثة دراسيّة

عام 1945، أُرسل الرجيب في بعثة دراسية إلى مصر مع 60 طالبًا لدراسة التربية في معهد المعلمين، وكانت أكبر البعثات عدداً، ونظراً الى حبّه الشديد للتمثيل كان يذهب صباحا إلى معهد المعلمين ويذهب مساء إلى معهد التمثيل لدراسة فنون المسرح. كذلك أصدر مع الشاعر المرحوم أحمد مشاري العدواني مجلة ثقافية اسمها «البعثة». عام 1949، أنهى دراسته في مصر وعيِّن مساعدا لمشرف «بيت الكويت»، ثم مشرفاً عندما سافر عبدالعزيز حسين للدراسة في بريطانيا.

عام 1950، عاد الرجيب إلى الكويت بعد انتهاء البعثة وعيِّن مديرا لإدارة النشاط المدرسي في دائرة المعارف، حيث اهتم إثر عودته بأخبار المسرح واتساع نشاطه، وكان وراء إنشاء دار حديثة للمكتبة العامة ملحقة بقاعة للمحاضرات ومسرح للتمثيل. كذلك تقرر تأليف فرقة للتمثيل في كل مدرسة ومنتخب من المدارس للتمثيل باسم فريق المعارف، ولم تمر على عودته من مصر ثلاثة أشهر، حتى بدأ في تنفيذ منهجه لإصلاح المسرح بإقرار مستويين، الأول للتلاميذ ويختص بالمسرح الوعظي التاريخي والتعليمي، والثاني للفريق الرسمي ويختص بالنصوص العالمية الصعبة التي قد لا يتقبلها كثير من الناس، لكنه رأى أن يبدأ بذلك كي يشعر الجميع بجدية المسرح، وكان يقوم بنفسه بعمل المكياج والإشراف على الإخراج، إلى جانب اختيار النصوص المسرحية.

دائرة الشؤون الاجتماعيّة

كلِّف الرجيب بإنشاء دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل بتاريخ 14/12/1954، وهي الإدارة التي أنشأت الجمعيات التعاونية ومركز الفنون الشعبية الذي أنشئ عام 1956، حيث سجِّلت أغنيات البحر والأفراح وسائر المناسبات الشعبية، وأشعار الشعراء الشعبيين سواء العامية او النبطية. كذلك، كان من بين مهام دائرة الشؤون إجراء أول إحصاء سكاني في الكويت. كان الرحيب في الوقت نفسه عضواً في مجلس الإنشاء الذي كان يرأسه المرحوم الشيخ فهد السالم، وبتاريخ 27/3/1963 عيِّن وكيلاً لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وفي العام نفسه ساهم بتأسيس جمعية الفنانين الكويتيين.

الحقل الدبلوماسي

عيِّن الرجيب سفيراً لدولة الكويت في جمهورية مصر العربية ومندوب الكويت الدائم لدى جامعة الدول العربية، بين 1966 و1976، وخلال فترة عمله في القاهرة نقل معه «الديوانية» وكان موعدها يوم الأحد من كل أسبوع في منزله، حيث كان ملتقى الفنانين والساسة والأدباء ومحترفي الفكر. من أبرز رواد ديوانيته: أمين يوسف غراب، عزيز أباظة، عبدالحميد قطامش، صالح جودت، عبدالرحمن الخميسي، زكريا الحجاوي، محمود السعدني، أحمد رشدي صالح، صلاح طاهر، د. سمير هلال، د. عز الدين هلال، عبدالرؤوف علي، زكي دياب المحامي، عزالدين شريف، عبدالمنعم الرفاعي، د. سامي الدروبي، شعراوي جمعة، محمد أحمد محجوب، أحمد المخيمر، عبده صالح، أحمد الحفناوي، عبدالفتاح منسي، فريد الأطرش، رياض السنباطي، محمد عبدالوهاب، يوسف وهبي، أحمد رجب، العوضي الوكيل، حسين بيكار وآخرون. خلال وجوده في مصر، كان الرجيب عضواً في جهاز التطوير الإداري في جامعة الدول العربية ورئيساً لجمعية إحياء التراث الموسيقي العربي في القاهرة. اختير عضوًا في لجنة المصالحة بين اليمنين الشمالي والجنوبي في إطار الجامعة العربية، كذلك عيِّن سفيراً للكويت لدى المملكة المغربية عام 1976.

العودة

من موقع الى آخر ومن ميناء الى ميناء، يطوي الرجيب أشرعة الدبلوماسية ويقفل عائداً عام 1979 الى ميناء الوطن بعد رحلة اغتراب طويلة، حمل خلالها علم بلاده في المحافل الدبلوماسية، حيث وضع حقيبته الدبلوماسية ليتسلم حقيبته الوزارية، وحُمِّل مسؤولية الرعاية السكنية بتعيينه وزيراً للإسكان عام 1979، بعد ذلك تسلم حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عام 1981.

للسفير الرجيب إسهامات أخرى في مجالات كثيرة من بينها:

- المساهمة في إنشاء الجمعيات التعاونية في الكويت.

- عضو في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب منذ تأسيسه عام 1972 حتى رحيله.

- رئيس اللجنة الاستشارية للمعاهد الفنية التابعة لوزارة التعليم العالي.

- ترأس لجنة التقييم للاحتفال بيوم 21 فبراير (شباط)، يوم المسرح العربي عام 1980.

علاقته بالمسرح

يحتل مصطلح «أول مرة» المساحة المشتركة بين الرجيب والمسرح، بكل ما يحمله هذا المعنى من قيمة فريدة، فقد كانت المساهمة الأولى للرجيب في المجتمع من خلال المسرح، وأول العروض المسرحية التي قدمت خارج نطاق الدولة جاءت من خلال جهوده. كذلك سلك، في اتجاهه نحو التحصيل العلمي، طريق المسرح ودرس في المعهد العالي لفن التمثيل في القاهرة، ويتأكد لنا هذا المعنى الفريد من خلال علامات الرجيب في المسرح الكويتي. اعتبرت مسرحياته التي كتبها بالفصحى أولى المسرحيات الكويتية المؤلفة، وكان أول من قدم للمسرح مسرحية مترجمة.

عاصر البدايات الأولى للحركة المسرحية التي انطلقت من ساحة مدرستي المباركية والأحمدية، إذ بدأت علاقته بالمسرح عام 1939 حينما قام بدور رئيس في مسرحية «اسلام عمر» التي قدِّمت على ساحة المدرسة المباركية، معبرًا عن موهبته الأصيلة التي أكدها بمشاركته ممثلا في أعمال أخرى هي: «الميت الحي، من تراث الأبوة، العفو عند المقدرة، وفاء، والأميرة» التي قدمت في «بيت الكويت» في القاهرة.

كتب الرجيب مسرحيات عدة أبرزها «من الجاني» و»حروف نيام نيام». أخرج خلال السنوات العشرة من 1943 الى 1953، 22 مسرحية قدمت في الكويت و«بيت الكويت» في القاهرة وهي: «الميت الحي، ام عنبر، من تراث الابوة، المروءة المقنعة، وفاء، الى يثرب، البخيل، معركة اليرموك، اضرار التبغ، طبيب رغما عنه، غزوة بدر الكبرى، مهزلة في مهزلة، مجنون ليلى، عروس الزنوج، عدو الشعب، وامعتصماه، ابن الراعي، الطاحونة، مقالب سكابان، سر الحاكم بامر الله، سر الجريمة»، ومسرحية أخرى هزلية.

عام 1947، قدم الرجيب رواية «أضرار التبغ» للكاتب الروسي شيكوف التي تعتبر أولى المسرحيات المقتبسة عن رواية عالمية، وشارك زميله أحمد العدواني في كتابة مسرحية «مهزلة في مهزلة» التي قدمت عام 1948.

وضع الرجيب المسرح على قائمة اهتماماته منذ أن تولى منصب مدير دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، فواظب على تطوير الحركة المسرحية وإنشاء مسرح عصري، فشكّل اللجنة الدائمة لرعاية الفنون الأهلية ومؤسسة المسرح والفنون، وكانت له جهوده الواضحة في تأسيس المسرح العربي والفرق المسرحية الأهلية. أحسن الانتفاع من علاقته بأستاذه زكي طليمات فاستقدمه الى الكويت وأضاءا معا بالعمل والمساندة طريق المسرح الحديث.

علاقته بالأغنية

في بداية الستينات، شارك الرجيب في تقديم الأغنية المطوّرة، فقدم ثاني أغنية عاطفية مطوّرة تغنى بها الفنان الكبير شادي الخليج والتي كانت من ألحانه وكلمات الشاعر المرحوم أحمد العدواني بعنوان «فرحة العودة»، تقول مقدمتها:

عادت لنا الأيام فوق السفينة

مرة معانا الريح مرة علينا

بين السفر والغوص رحنا وجينا

ومهما تصير الحال ما قط شكينا

«جودي لا تهجريني»

قدم الرجيب أغنية «جودي لا تهجريني»، كلمات الشاعر منصور الخرقاوي وغناء غريد الشاطئ. كذلك غنى له المرحوم عوض دوخي، وصالح الحريبي، وعبدالحميد السيد والمجموعة التي قدمت من ألحانه أغنية «دارنا يا قبايل»، من كلمات الشاعر أحمد مشاري العدواني، يقول في مطلعها:

دارنا يا قبايل

ما عشقنا سواها

للمعزّة منازل

والكرم في ثراها

من الملاحظ أن معظم كلمات الأغنيات التي لحنها الرجيب كتبها الشاعر أحمد العدواني. قال الرجيب عن ذلك:

«جعلتني صداقتي بالشاعر أحمد العدواني أحس بما يكتبه أكثر من أحاسيسي بغيره من الشعراء، لذلك كنت ألحن كل قصيدة تصلني منه في ظرف يومين او ثلاثة مع أن هناك قصائد جميلة لشعراء آخرين، إلا أنني لا أشعر تجاهها بالرغبة نفسها في التلحين... دامت الصداقة بيننا أكثر من أربعين عاما، لذلك هو أقرب الى نفسي من غيره. للرجيب مقطوعات موسيقية حديثة مستمدة من التراث، منها: عودة، تحية، رقصة الصبايا، حنين.

ألحان بأصوات عربيّة

قدّم الرجيب مجموعة من الأغنيات للفنانين العرب أمثال نجاح سلام في أغنية «أداري والهوى نمام»، الشحرورة صباح في أغنية «يا عاذلين الحبايب» و»ياعاشقين السهر». أما عبدالحليم حافظ فغنى له «يا فرحة السمار» ونجاة الصغيرة غنت له «يا ساحل الفنطاس»، تقول فيها:

يا ساحل الفنطاس

يا ملعب الغزلان

يا متعة الجلاس

يا سامر الخلان