لم أكن أتصور يوماً أن تكون القدرة على التفكير بمنطقية وعلى التعبير بشكل واضح، من المقاييس التي سنحكم بها على أداء النواب، فقد كنت أفترض أن كل من سيفوز بالانتخابات وسيحظى بثقة عدد كاف من الناخبين يجب أن يكون حائزاً لهذه الملكات الأساسية ابتداءً، لكن الواقع صفعنا بنواب من عجائب الزمان ونوادر المكان، نواب لا علاقة لهم بالتفكير ونشاط المخ، ولا ببراعة الكلام، بل ولا حتى بالنطق في المجلس أصلاً.

Ad

بعض النواب دخلوا المجلس وخرجوا، حفظهم الله، لم نسمع لهم صوتاً، حتى حسبهم البعض زرافات باعتبار أن الزرافات لا صوت لها كما يقال!

المؤثر الأكبر في انتخاباتنا، مهما كابرنا وأنكرنا، هو العصبيات، فعندما تنتفض الطائفة أو القبيلة أو العشيرة، فلا يستبعد حينها أن يصل إلى المجلس أي شخص، مادام حاملاً لختم الانتماء العصبي!

أفترض أن النائب صالح عاشور، ليس من هؤلاء النواب، فقد تابعت أداءه في المجلس، واستمعت إليه أكثر من مرة في محافل عامة، وقرأت تصريحاته للصحافة، فوجدت أنه من الذين يمتلكون منطقاً ورؤية موضوعية، حتى إن اختلفت معها، ويمتلك فوق ذلك قدرة جيدة جداً على التعبير عما يريد قوله، لكنه مع ذلك- وهذا شيء غريب لا يتوافق مع ما ذكرته عنه- لا يكاد يغيب عن أي موضوع تفوح منه رائحة الإثارة الطائفية، إن لم يكن هو أحد أبطاله!

هناك مَن لا يتردد فيتَّهم صالح عاشور بالطائفية صراحة، وهناك مَن يطرب لهذه الفكرة عندما تنطلق لأنها تثير في نفسه هو الآخر طائفية مضادة كي يتصدى لكل ما يصدر عن عاشور، لكنني لا أراه مفيداً جداً أن نصنف عاشور أو غيره بالطائفية، بقدر ما أن نصنف الموقف نفسه.

بحسب ما نقل عن عاشور في «قناة الراي» أخيرا، فهو ينوي توجيه الدعوة للسيد محمد الفالي للعودة إلى البلاد بعد أن تمت تبرئة ساحته مما نسب إليه من كل الجوانب على حد تعبيره. وأقل ما يمكنني أن أقول عن هذا التصريح، إنه خالٍ من اللباقة والكياسة والحصافة السياسية، وبعيد كل البعد عن منطق الابتعاد عن تصنيع الأزمات، وموضوعية الطرح التي ينادي بها عاشور نفسه!

نعم، لعل الفالي قد حاز البراءة مما نسب إليه، ولكننا ندرك جميعاً، ومعنا عاشور نفسه، مقدار الاستفزاز السياسي والاحتقان الطائفي الذي أوجده هذا الموضوع في المجتمع، فهل من الحكمة إثارته في هذا التوقيت بالذات؟ أم أن المسألة برمتها من أدوات الانتخابات التي يراد منها تأجيج الروح الطائفية مرة أخرى ليقفز إلى الحلبة الطائفيون في الجهة الأخرى، ويبدأ الكرنفال المعتاد؟!

في ظني أن صالح عاشور ليس بحاجة إلى شحن مشاعر طائفته بمثل هذا الطرح، وليس بحاجة إلى فتنة جديدة تثار ليكون من أبطالها فيتحزب الشيعة خلفه نصرة للمعتقد ووقوفاً في وجه الآخرين، فالرجل يمتلك أدوات الطرح الموضوعي والمنطق الجيد التي تمكنه من إقناع الناس، فياليته يدرك هذا حتى يقطع الطريق على من يتهمونه بالطائفية البغيضة، ومن ينتظرونه على أحر من الجمر حين يفتح فمه ليردوا عليه.

اللهم إلا إذا كان عاشور يشك بقدرته على النجاح دون العصا الطائفية!